مقالات

د. حسن سلمان يكتب {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سول الله الأمين أما بعد:

في ظل التداعي الأممي على أمة الإسلام وتكالبها على خيرات وموارد الشعوب وفرض الأنظمة المستبدة الحامية لمصالح العدو وفي ظل فرض الهويات الجاهلية المضادة لشريعة الأمة وهويتها المسلمة فإن من أوجب الواجبات الشرعية على الأمة المسلمة هو واجب الاعتصام وتحقيق الوحدة وتعزيز التعاون وتضافر الجهود حتى يتم دفع العدوان وتحقيق البقاء والوجود بكرامة على أرضنا وإلا فإن الفساد العريض والتدمير الممنهج هو المتوقع وفقا لما تنص عليه آيات الكتاب العزيز في قوله تعالى:(وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادࣱ كَبِیرࣱ) الأنفال/٧٣، وبالمقابل فإن الأمر الإلهي بالاعتصام ولزوم الجماعة وترك التفرق فهو ما تضافرت عليه نصوص الكتاب والسنة كما في قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران/103، فإن الله أمرنا بالتمسك بحبله المتين؛ كتابه وسنّة نبيه ﷺ، والاعتصام بحبل الله يعني التمسك بالوحدة، وترك الخلافات والتفرق التي تضعف صفوفنا ويذهب معها الريح والقوة والعزة والمنعة، ويحصل معها الفشل كما قال تعالى:(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الأنفال/ 46، والأمة المسلمة كما يصفها القرآن الكريم هي أمة واحدة ، والأمة الواحدة لا تعرف حدودًا ولا تفرقها جنسيات أو ألوان، فلنكن أوفياء لهذا المبدأ، ونتعامل مع خلافاتنا بحكمة وتعقل.

 وقد وصف النبي ﷺ المسلمين بالجسد الواحد الذي يتألم كله إذا أصاب عضوًا منه مكروه، هذا التشبيه يعكس مدى عمق العلاقة بين المسلمين، وكيف يجب أن يتألم كل واحد منهم لألم الآخر وهو ما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام:(مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ)

والوحدة بين المسلمين ليست اختيارية ولا هي من باب الترف، بل هي من صلب الدين، حيث حرص الإسلام على تأليف القلوب ونبذ الفرقة وتحقيق الاعتصام، وتعزيز الأخوة الإسلامية واجب على كل فرد، سواء بالكلمة الطيبة، أو بدفع الشبهات التي تؤدي إلى التفرقة، كم دل على ذلك النبي ﷺ بقوله : “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”، وهذه القيم هي أساس بناء مجتمع قوي ومتماسك، ومعلوم بأن البناء يحتاج إلى تكامل وترابط بين أجزائه ليقف شامخًا، فكذلك المجتمع الإسلامي يحتاج إلى تماسك أفراده وتلاحم مكوناته وخاصة في أوقات الشدة والضراء ، فبتكاتفنا ننهض، وبتعاوننا نتجاوز الصعاب والتحديات ، ولا يمكن لأمة ممزقة أن تحقق نهضة أو ازدهارًا والتاريخ شاهد على أن الأمة الإسلامية كانت في أوج قوتها عندما كانت صفًا واحدًا و الوحدة تبدأ من القلوب، بالتسامح، وتجاوز الصغائر، والتركيز على الأهداف الكبرى المشتركة، و الإسلام يقر الاختلاف الذي يثري الفكر ويشحذ الهمم والعقول  لكنه يحذر من الفرقة والتنازع  ، وتنوع الآراء والمذاهب لا يجب أن يكون سببًا للعداوة ، بل مصدرًا للإثراء الفكري والثقافي والحضاري.

وحقائق التاريخ شاهدة أنه كلما كانت الأمة معتصمة بكتاب ربها ومتحدة فيما بينها تستطيع تحقيق الفتوحات والانتصارات والنهضة والتطور وكلما تفرقت واختلفت وكان بأسها بينها شديد سلط الله عليها عدوها وسلب بعض ما في أيديها وأذلها وسلب عزها (وجعل الذل والصغار على من خالف أمري) وكان ذلك بحسب المخالفة بين الكلية والجزئية.

 نتحدث اليوم عن الاعتصام والوحدة ونحن نتابع انتصارات الشام وما فيها من فتوحات مباركة ولا شك أن للوحدة والاعتصام  بين فصائل الثورة دور بارز في هذه الانتصارات كما كانت الفرقة والخلاف العامل الأبرز في الهزائم والانكسارات ، وهذا يتطلب مزيدا من التلاحم وسد منافذ الفرقة والخلاف وتحديد بوصلة المسيرة بدقة للجميع والتعلق بالأهداف الكبرى وترك سفساف الأمور وصغائرها ، وأن ندرك بأن مهمة الثوار ليست فرض سلطانهم وقيادتهم على الشعب بل تمكين الشعب من حكم نفسه وتحقيق مقاصد الشارع في الاستخلاف والعبدة والعمران، وهذا يتطلب الزهد في الدنيا وحطامها والتجافي عن زينتها الفاتنة والتعلق بالدار الآخرة وهي دار القرار وفيها الحياة الأبدية التي من خسرها فقد خسر كل شيء.

وقد أظهرت فتوحات الشام السورية أهمية دور الدولة المجاورة الصديقة والحليفة والمأمونة في نصرة الثوار وتأمين ظهرهم وتقديم العون والمشورة والغطاء الدولي لهم وهو الدور الذي تقوم به الدولة التركية حتى لو قيل بأنها تسعى لمصالحها فطبيعي أن الدول تسعى لتحقيق مصالحها عندما تكون لها السيادة على نفسها خلافا للدول الوظيفية التي لا تملك من أمرها شيئا ، كما كشفت من قبل خطورة الدور الذي لعبته دول الجوار  الفلسطيني في حرب طوفان الأقصى وحصار قطاع غزة والتواطؤ مع العدو للقضاء على شعبها ، ومقاومتها ومساندة الاحتلال بشتى السبل وهذا درس عظيم للأمة وشعوبها ونخبها الفكرية والسياسية.

د. حسن سلمان

باحث في الدراسات الشرعية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى