د. حلمي الفقي يكتب: الإسلام دين الإنسانية جمعاء

الإسلام دين العدل والمساواة بين البشر جميعا، والقرآن الكريم يُبرّئ يهوديا من السرقة ويتهم مسلما، حدثت هذه القصة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في القرآن الكريم، وتحديدا في سورة النساء، وتدور أحداث القصة في المدينة المنورة، بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها،

وهناك في المدينة اشتد الفقر على الصحابة، لدرجة أنهم ربطوا الحجارة على بطونهم من شدة الجوع، ومن بين هؤلاء الصحابة كان هناك صحابي من الأوس، حديث العهد بالإسلام، اسمه: “رفاعة بن النعمان”، وكان يملك درعا غنمه في إحدى الغزوات، التي خرج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعتبر الدرع ثروة كبيرة في ظل الفقر الذي يعيشونه، ويفاجأ رفاعة بأن درعه قد سُرِق .. واتهم رجلا من الخزرج اسمه «بشير بن أبيرق» بسرقته، وكان حديث العهد بالإسلام أيضا،

وأثناء سرقة بشير للدرع رآه ابن أخيه قتادة، وكان قوي الإيمان، فذهب قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بأن عمه بشير قد سرق درع رفاعة بن النعمان ..

حزنَ النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا، وكان حزن النبي عليه الصلاة والسلام لعدة أسباب:

أولا: لأن السارق مسلم، وسوف يشمت اليهود والكفار بالمسلمين.

ثانيا: لأن صاحب الدرع المسروقة من الأوس، والسارق من الخزرج، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تعود العداوات والحروب بين القبيلتين ، بسبب هذه السرقة.

ويعلم بشير الذي سرق الدرع، بأن ابن أخيه قتادة قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحادثة السرقة .. فيقرر التخلص من الدرع، فيأخذ الدرع ويدفنه في حديقة جاره اليهودي «زيد بن السمين» لإلصاق التهمة به، ويأتي بثلاثة شهود من أقربائه، ليشهدوا زورا أمام النبي صلى الله عليه وسلم، بأن بشير بريء من تهمة السرقة، وأن السارق الحقيقي، هو «زيد بن السمين» جاره اليهودي، فيرسل النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الصحابة من بينهم «محمد بن مسلمة» وفتشوا بيت اليهودي، وفعلا وجدوا الدرع مدفونة عنده وفي حديقته.

ويصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، ويعلن براءة بشير من السرقة، وانتهى الموضوع، ولم تحدث أزمة بين الأوس والخزرج ..

واستراح المسلمون، وصلوا العشاء، ولكن عين الله لا تنام.. عين الرقيب.. عين العادل.. عين الحق.. لا تأخذه سِنة ولا نوم، الله تعالى لا يرضى أن ينام السارق قرير العين، وإن كان مسلما، وأن يُظلم البريء، وإن كان يهوديا، وتُعلن حالة الطوارئ من فوق سبع سموات.. وينزل الوحي الأمين إلى سيدنا محمد الصادق الأمين «قبل صلاة الفجر» ليعلن براءة اليهودي عند صلاة الفجر وينزل قوله تعالى:

{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ­ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }

(النساء: 105- 112)

ويعلن النبي صلى الله عليه وسلم براءة اليهودى، زيد بن السمين، وأن السارق هو المسلم “بشير بن أبيرق”،

لقد أنزل الله عز وجل من فوق سبع سماوات عشر آيات في كتابه المقدس، في القرآن الكريم، ليعلن فيها براءة يهودي أتهم ظلما بجريمة السرقة، وأن السارق مسلما وليس يهوديا.

هل رأيتم دينا بهذه العظمة؟

ما أروعه من دين.

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights