الأربعاء أكتوبر 9, 2024
بحوث ودراسات

د. حلمي الفقي يكتب: رجم الشيطان ومقاطعة الكيان

مشاركة:

في أكتوبر من العام 2023م شن الكيان الصهيوني ومعه أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا أقذر حرب في التاريخ على قطاع غزة المحاصر منذ قرابة عقدين.

وكان ميزان القوة بين الفريقين ضخم جدا، ورهيب جدا يفوق الخيال، حتى إنك لتصاب بالعجب والذهول كيف لفريق يمتلك هذه الأسلحة وهذا العتاد، وهذا التفوق على الخصم في كل شيء، ثم لا يكون محاربا شريفا يقتل المقاتل فقط، ولا يقتل الأبرياء والأطفال والنساء، بل أثبت الواقع أن الكيان الصهيوني ومن معه هم أقذر وأخس وأقبح المحاربين في التاريخ، وارتكبوا من جرائم الإبادة الجماعية ما يندي له جبين الإنسانية، وواحدة فقط من هذه الجرائم تكفى لمحاسبة قادة الكيان أمام الجنائية الدولية بتهم الإبادة الجماعية، ومن هذه الجرائم التي حرمها وجرمها القانون الدولي وحرمتها كل الشرائع السماوية، وكل القوانين الأرضية وارتكبها الكيان الصهيوني بعضا مما يلي:

1 – منع المياه عن أهل غزة حتى شربوا مياه الصرف الصحي، ومات الإنسان والحيوان عطشا، وكفي بهذه جريمة ثابتة أمام العالم كله باعتراف الصهاينة أنفسهم.

2 – منع الكهرباء حتى توقفت المشافي والمخابز والمراكز الصحية عن العمل ومات الأطفال الخدج ومات المرضى، وخرجت المشافي، ومراكز الإسعاف من الخدمة.

3 – منع الغذاء والدواء حتى وقعت مجاعة حقيقية في قطاع غزة ومات الناس جوعا وهذه شر قتلة في الأرض، فالقتل جوعا أكثر فتكا، وأشد ألما من الموت بالقصف.

4 – دمر الكيان المشافي والمساجد والكنائس وكل المنشآت والمباني في قطاع غزة حتى بلغ حجم الدمار أكثر من ثمانين في المائة من قطاع غزة وهذه نسبة دمار لم تحدث في التاريخ.

5 – بلغ عدد القتلى والجرحى والمفقودين قرابة مائتي ألف، وهذه نسبة رهيبة جدا بالقياس الى عدد سكان القطاع البالغ اثنين ونصف مليون تقريبا.

وبالرغم من هذا الجرم البشع الذي فاق الخيال إلا أن المقاومة الفلسطينية حققت ثباتا يسجل بحروف من نور ويكتب على جبين التاريخ، ويسجل بكل فخر على ناصية الدنيا، فقد دمروا في ثمانية أشهر أكثر من ألف ومائتي الية ودبابة صهيونية، وأثخنوا العدو، وأوقعوا بالكيان الصهيوني خسائر لم تنزل به في التاريخ كله، وستكون هذه المعركة هي بداية النهاية لهذا الكيان المتغطرس الغشوم، وإن غدا لناظره قريب.

درس الحج رجم الشيطان ومقاطعة الكيان      

بعد أيام قليلة يقف قرابة ثلاثة ملايين حاج من أمة الملياري مسلم على جبل عرفات يؤدون ركن الحج الأعظم ثم يفيضون من عرفات إلى المزدلفة يبيتون فيها ليلة العاشر من ذي الحجة، ثم يؤدون جل شعائر الحج في يوم النحر، وقبل الانصراف من الأراضي المقدسة يقيم الحجيج في منى ثلاثة أيام يرجمون فيها الجمرات، ويعلنون فيها مقاطعة الشيطان، ثم ينصرفوا إلى بلدانهم في مشارق الأرض ومغاربها.

وهنا يجب أن يتعلم المسلمون درس الحج الأخير وهو مقاطعة الشيطان، وعدم سماع وساوسه إلى أبد الدهر.

ومن بدهيات ديننا، ومن مسلمات شرعنا أن نصرة المسلم فريضة واجبة لازمة على المسلمين في الأرض كلها، فعلى أمة الملياري مسلم، أن يهبوا لنصرة المسلمين في غزة، وإذا كان حجاج بيت الله الحرام قد ختموا شعائر حجهم برجم الشيطان ومقاطعته، فهذا ما يجب على المسلمين فعله مع المحتل الصهيوني وأمريكا، فيجب علينا مقاطعة كل منتج يدعم الاحتلال صهيونيا أو أمريكيا أو غير ذلك، فإن للمقاطعة آثارا مدمرة على اقتصاد الصهاينة ومن يدعمهم، ولا تنتهى المقاطعة بنهاية الحرب بل يجب أن تستمر حتى تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، وتحرير المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى.

وهذا درس الحج فإن رجم الشيطان، وإعلان مقاطعته في نهاية الحج يجب أن يستمر حتى نهاية العمر، فإن مقاطعة المنتجات التي تدعم الاحتلال يجب أن يستمر حتى نهاية الاحتلال لفلسطين كلها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها ومن بحرها لنهرها، وتحرير كل ديار المسلمين في سوريا ومصر ولبنان،

والمقاطعة فريضة واجبة وشريعة لازمة لا عذر لمسلم في تركها، وكل عذر للتهرب منها فهو غير مقبول بأي شكل من الاشكال.

فيحرم على المستهلك شراء أي منتج يدعم الاحتلال، وكذلك يحرم على التاجر التجارة في أي منتج يدعم الاحتلال، ويحرم الترويج والإعلان لأي منتج من منتجات المقاطعة، والتعلل وإبداء الأعذار بعقود مبرمة أو شروط جزائية موجعة كل هذا ليس عذرا لعدم المقاطعة.

بل أكثر من ذلك إن المقاطعة واجبة على كل إنسان حر يدعم فلسطين حتى لو لم يكن مسلما، فإن كان مسلما كان الأمر أوجب، والحكم ألزم، لأن من لا يقاطع شريك للمحتل في جرائمه، ويدفع نقوده لإبادة إخوانه من أهل فلسطين وقتلهم وتدميرهم، فهل يعقل أن يشارك مسلم العدو في هذا الجرم، نعم من لا يقاطع شريك.

وأخيرا

هل يقبل من مسلم أن يقول: إن دعم أهل فلسطين فرض واجب لكنى عاجز عن فعل أي شيء لهم

أقول مستعينا بالله:

هذا ادعاء كاذب، ووهم ساقط، وكلام مرفوض جملة وتفصيلا، فإذا كان بعض الدعم في غير الإمكان، فإن من صور الدعم ما لا عذر في تركه، ومن صور النصرة لأهل فلسطين ما يمكن لكل مسلم في الارض أن يقوم به.

من صور النصرة لأهل فلسطين التي لا عذر لمسلم في تركها ما يلي:

1- تعريف الناس بالقضية وبعدوان وبغي وظلم الصهاينة الذي فاق الحدود، وبأحقية أهل فلسطين في أرضهم، وأنهم أصحاب الأرض، ولا حق لليهود في شبر واحد منها.

2- التبرع بالمال على قدر الاستطاعة، والتبرع بالمال جهاد أعظم من الجهاد بالنفس، ففي كثير من آي القران الكريم ورد الأمر بالجهاد بالمال قبل الجهاد بالنفس {ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ ‌بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٤١} [التوبة: 41]

وقال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ} [الأنفال: 72]

وقال سبحانه وتعالى: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠} [التوبة: 20]

وقال عز وجل: {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ ‌وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠} [التوبة: 20]

والجهاد بالمال شقين متلازمين:

الأول: بذل وعطاء،

والثاني: كف وانتهاء، فإذا عجزت عن الأول فلن تعجز عن الثاني، وهو المقاطعة التي لها أبلغ الدمار على اقتصاد الاحتلال وأعوانه، وداعميه.

3- الدعاء ليل نهار صباح مساء بالنصر والتمكين للمجاهدين في فلسطين، وفى كل ديار الإسلام في المشارق والمغارب، ففي معركة بدر وفى كل معركة خاضها المسلمون في صدر الإسلام لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء والتذلل لرب الأرض والسماء، والنبي صلى الله عليه وسلم قوتنا وأسوتنا، ومعلمنا ومعلم البشرية كلها.

«اللهم اكسر بنا شوكتهم اللهم نكِّس بنا رايتهم اللهم أذِّل بنا قادتهم اللهم حطم بنا هيبتهم اللهم أزل بنا دولتهم اللهم انفذ بنا قدرك فيهم، بالزوال والتدمير والتتبير يا رب العالمين»

Please follow and like us:
د. حلمي الفقي
أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *