الأحد مايو 19, 2024
مقالات

د. حلمي الفقي يكتب: رحمة للعالمين

محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلم هو أستاذ الإنسانية الأوحد، ومعلمها وطبيبها وهاديها إلى الطريق الصحيح، ومرشدها إلى الصراط المستقيم، ولا فلاح ولا خلاص للبشرية إلا باتّباع هديه، والسير على سنته، والاستقامة على منهجه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، إنفاذا لأمر خالق الوجود تبارك وتعالى في كتابه المجيد، وقرآنه العظيم الذي:

{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصّلت 42)

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر 7)

ومحمد صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله، وصفيّه من خلقه، وحبيبه، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم للإنسانية؛ هي رسالة عامة وشاملة لكل مجالات الحياة، فهو عليه الصلاة والسلام جاء بدينٍ هو خاتم الأديان، ورسالة هي خاتمة رسالات السماء للأرض، فقد جاء محمدٌ صلى الله عليه وسلم ليبلغ الإنسانية كلمة الله الأخيرة إلي البشرية، ودين الإسلام الذي جاء به هو دين شامل، جاء لينظّم مظاهر الحياة كلها، ومجالات المعيشة كلها.

وإذا كان ميدان الحروب هو أخطر ميادين الحياة التي تهدد البشرية كلها بالفناء، فإن محمدا صلي الله عليه وسلم قد جاء رحمة للعالمين، ليعمر الأرض كلها، ويفجّر ينابيع الحب، وبذور الخير في كل أركان حياة الإنسان، ومثّلت حياة محمد صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل، والمثال المثالي للإنسان في كل زمان ومكان،

فما هو النموذج والمثال الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم للإنسانية في مجال الحرب؟

لقد جاء عليه السلام بنموذج للحروب يعمّر ولا يدمّر، ويبني ولا يهدم، ويسعى حثيثا لبناء إخوّة إنسانية عامة بين البشر في كل أرجاء المعمورة، وهذا نظام لم ولن تجده البشرية إلا في دين الإسلام، الذي هو دين العدل والسلام لكل الإنسان في كل زمان ومكان،

والأدلة على هذه الدعوة تذهل الإنسان، وتقود إلي الحق بأبسط بيان، ويمثّل واقع حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل المسلمين من بعده؛ الدليل الأقوى علي صحة هذه الدعوة،

ومن هذه الأدلة:-

1- لقد انتصر محمد صلى الله عليه وسلم في ثلاث حروب طاحنة، ومعارك حاسمة بلا قتيل واحد، نعم كانت ثلاث حروب طاحنة، ومعارك حاسمة ولم يُقتل فيها قتيل واحد لا من جانب المسلمين فحسب، بل من كلا الجانبين، المنتصر والمهزوم

كيف ذلك؟

إنه أمر يفوق الخيال

نعم لقد انتصر محمد صلى الله عليه وسلم في معركة (بني قينقاع) سنة 2 هـ، نصرا حاسما، بلا قتيل واحد من الطرف المنتصر، والطرف المنهزم، ليثبت للعالمين أنه رحمة للعالمين بالفعال وليس بالكلام، وعاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعدها بعام واحد وتحديدا في عام 3 هـ، ليحقق نصرا ساحقا في معركة بني النضير، وبلا قتيل واحد من الطرفين أيضا، ليثبت للعالم أجمع من جديد أنه رحمة للعالمين أجمعين وليس للمسلمين فحسب.

وفي نهاية حياته وفي شهر رجب سنة 9 من الهجرة، عاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليؤكد على منهجه في القتال، وعلى أنه الرحمة المهداة من رب الأرض والسماء إلي الإنسانية الحائرة، والبشرية المعذّبة

في غزوة تبوك جهّزَ صلى الله عليه وسلم جيشا ضخما قوامه ثلاثين ألف مقاتل، لمحاربة الروم الذين اعتدوا علي المسلمين أكثر من مرة، وسار بجيشه الضخم من المدينة المنورة، إلى شمال الجزيرة العربية في تبوك، وسمعت حشود الروم الدولة الأكبر في العالم في ذلك الوقت، بزحف جيش المسلمين تجاه دولتهم، فانسحبوا للخلف مؤثرين السلامة، ونزل جيش المسلمين بأرض الروم في تبوك، وأقام فيها شهرا، ولكن المذهل جدا في هذه الغزوة أن جيش المسلمين الضخم سار شهرا ذهابا، وأقام في تبوك شهرا، وعاد إلى المدينة في شهر ثالث، تسعون يوما كاملة، ولم يقتل فيها الجيش المسلم إنسانا واحد، لا في مدة الذهاب، ولا في الإياب، ولا في الفترة التي أقامها في تبوك،

لم يقتلوا بشرا، ولم يهدموا حجرا، ولم يقلعوا شجرا،

ألم نقل إنه جيش للتعمير، لا للتدمير، وجيش يبني ولا يهدم.

ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء صحابته من بعده ليكملوا مسيرة الطهر، والعفاف، والرقي، والتقدم، والتحضر في كل مجلات الحياة، ومنها ميدان الحرب، والقتال،

في معركة عين التمر، بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، والفُرس والمتحالفين معهم، من قبائل العرب، حقق «خالد بن الوليد» نصرا ساحقا في هذه المعركة، ولكن الأروع من هذا النصر أنه كان بلا قتيل واحد، من المنتصرين، ولا من المنهزمين،

ففي بداية المعركة خرج خالد بن الوليد طالبا المبارزة، مع عقة بن أبي عقة، قائد جيوش الأعداء فخرج عقة للمبارزة، فأشاح خالد بالسيف من يد عقة، ولم يقتله، بل حمله حيا أسيرا، إلى صفوف المسلمين، وسط ذهول الجميع، من الطرفين، فدبّ الرعب والخوف في قلوب الأعداء، بعد أسر قائدهم حيا، في أول لحظة من بداية المعركة، بل قبل أن تبدأ المعركة، وفروا هاربين، وانتصر المسلمون، بلا قطرة دم واحدة، وبلا قتيل واحد، ليثبت المسلمون أنهم تلامذة نجباء، في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، رحمة الله للعالمين، وأنهم أوفياء بالعهد، أمناء على رسالة السماء، رحماء بالأعداء، والأولياء.

وأثبت المسلمون هذه الحقيقة الواضحة والمذهلة كثيرا كثيرًا عبر تاريخهم المشرف،

فقد فتح المسلمون القدس في ربيع الأول سنة 516هـ = ابريل 637م، من دون قتيل واحد

وفي المقابل احتل الصليبيون القدس في سنة 493هـ = 1099م، فقتلوا وذبحوا سبعين ألف مسلم، ودّمروا المدينة وخربوا عامرها، ولم يتركوا إنسانا على قيد الحياة في القدس.

وحرر صلاح الدين الأيوبي القدس ودخلها فاتحا في رجب 583هـ = أكتوبر 1187م، من دون قتيل واحد..

ثم احتلها اليهود في 1347هـ = 1967م، وارتكبوا فيها مجازر يندى لها جبين الإنسانية..

فهذا أحد الفروق الشاسعة بين الفتح الإسلامي، والاحتلال غير الإسلامي

وأحد الفروق الكبيرة والهائلة بين الرحمة الإسلامية، والوحشية غير الإسلامية، في ميدان الحروب

حقا إن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أجمعين، لا للمسلمين وحدهم.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب