بحوث ودراسات

 د. حلمي الفقي يكتب: زوال إسرائيل حتمية توراتية قرآنية (2)

ثالثا: تحفيز وتنشيط أم توهين وتثبيط

وهنا قد يقول قائل: لقد فرض الحق جل جلاله الجهاد على هذه الأمة لاسترداد حقها المسلوب، وتحرير وطنها المغصوب، والحديث عن زوال إسرائيل يبعث في الأمة الكسل والقعود، ويغرس في نفوس أبنائها اللهو والسقوط، فهو كلام إثمه أكثر من نفعه، وخفضه أكثر من رفعه، وعبثه يربو على جده.

والحقيقة عكس ذلك تماما، فنحن ما أردنا إلا تذكير الأمة بقول الحق سبحانه وتعالي: ﴿وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ﴾ [الطور: 48] فالمؤمن يوقن أنه في عين الله تبارك وتعالى، وحفظه، وتأييده، وهذا اليقين باعث حثيث للمؤمن على بذل الروح والمال في سبيل الله، وهو على يقين تام أن النفع والضر بيد الله وحده، وأن الدنيا كلها لو اجتمعت على النيل منا فلن تضرنا إلا بشيء قد كتبه الله علينا، فالغرض من هذا الطرح أن يبعث في النفوس التفاؤل والأمل، ويقتل فيها اليأس والملل، وهذا أول طريق الجهاد، الأمل في الله، والتوكل عليه، والاعتصام به، والاستعانة به وحده،

ومن هذا المنطلق فإذا كان المحتل يملك ما يزيد على مائتا رأس نووي، وقادر على مسح البلاد العربية من على الخريطة، في قرابة الدقيقة، فهذا وأمثاله لا يخيف المجاهدين، ولا يوهن عزائمهم، لآن معهم خالق الزمان والمكان، ومبدع الأكوان، وصاحب القدرة المطلقة في هذا العالم، بل هو جل جلاله صاحب القدرة الوحيدة، والحقيقة الوحيدة في هذا الوجود.

وقد وعدنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر المبين على اليهود المحتلين، ومن عاونهم من الظالمين في العالمين، حتى لو كانت أمريكا وحلف الناتو مجتمعين، ولو كان معهم العالمين أجمعين، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «‌لا ‌تقوم ‌الساعة ‌حتى ‌يقاتل ‌المسلمون ‌اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» أخرجه مسلم واحمد.

قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: (‌الغرقد ‌نوع ‌من ‌شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل اليهود)

فإذا كان اليهود في حماية أمريكا والناتو فإن المجاهدين في كتائب المقاومة الفلسطينية في حماية رب العالمين، ﴿وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا﴾ [النساء: 84]

وقد توعد رب العالمين، بأن يبعث على اليهود المجرمين، من ينكل بهم إلى يوم الدين، قال جل جلاله: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الأعراف: 167]

فهذه حرب نفسية، ومقتلة معنوية لها بالغ الأثر في توهج الحماسة في نفوس المجاهدين، وإشعال عزمات المرابطين، قال سبحانه وتعالي: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ﴾ [الحشر: 2]

رابعا: زوال إسرائيل حتمية توراتية

1- «إسرائيل لا علاقة لها باليهودية» تحت هذا العنوان جاءت تصريحات الحاخام الأميركي يسرائيل ديفيد وايس، المتحدث الرسمي لجماعة ناطوري كارتا اليهودية على موقع الجزيرة نت بتاريخ 30/10/2023م حيث قال: «إن الإسرائيليين أسّسوا دولتهم عن طريق السرقة من العرب، وإنه يصلي من أجل زوال دولتهم الصهيونية، وأن تتحرر فلسطين بأسرع وقت»

وقال وايس: إن اليهود أسسوا دولتهم في فلسطين بالمخالفة لنصوص التوراة والتي جاء فيها، “لا تقتل ولا تسرق” وإسرائيل قامت على قتل العرب وسرقة أراضيهم، ولهذا السبب نحن نبكي مع الفلسطينيين”

وأضاف ديفيد وايس: «كوننا يهودا متدينين، نصلي للرب كل يوم من أجل زوال دولة إسرائيل الصهيونية، التي تسببت في إراقة كثير من دماء الفلسطينيين واليهود بأسرع وقت»

وللعلم فإن جماعة ناطوري كارتا تأسست في العام 1935م أي قبل قيام إسرائيل ب 13 سنة، والهدف الرئيسي من تأسيس هذه الجماعة هو عدم قيام دولة إسرائيل.

لماذا؟

لأنهم يعتقدون وفق توراتهم حتى المحرفة التي بين أيديهم اليوم، أن الله سبحانه وتعالي كتب على بنى إسرائيل التيه والشتات، لذا لا بد أن يظل اليهود مشتتين، إلى أن تقوم الساعة، وأي محاولة لتجميع اليهود في مكان واحد هي عصيان لله سبحانه وتعالى، وعصيان لقضاء الله على اليهود بالشتات، وأن إسرائيل دولة ضد الله تبارك وتعالي، لأنها خالفت تعاليم الله في التوراة، بأن يظل اليهود مشتتين في الأرض.

2- قال الحاخام مائير هيرش زعيم جماعة ناطوري كارتا: نرفض أن نكون مواطني الدولة الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، لأننا نعلم من الكتاب المقدس، أن الرب وعد بإخراج الشعب اليهودي من التيه، وها نحن في الشتات من ألفي سنة، وما دام التيه مستمرا، يحرم على الشعب اليهودي تأسيس دولة في أي مكان في العالم في فلسطين أو في أوغندا، أو في أي مكان في العالم.

وقال هيرش: نحن نطالب بالعدالة الإلهية، لا مكان لدولة يهودية في فلسطين، ومن غير الممكن أن يكون في فلسطين دولتين لشعبين، لأنه ليس الحل الأمثل، الحل هو إعادة كل الأرض إلى الفلسطينيين،

وقد نشرت هذه التصريحات لهيرش على موقع الجزيرة نت بتاريخ 30/12/2023م

3- وفي 9/6/2023م نشر موقع RT «روسيا بالعربية» فيديو للحاخام اليهودي الأرثوذكسي «الحنان بيك» والذى يقيم في بريطانيا أكد فيه أنه لا حق لإسرائيل في فلسطين، وأن الأراضي من النهر إلى البحر هي ملك للفلسطينيين وحدهم، وقال الحاخام الحنان بيك: الصهيونية هي تمرد على القدير “الله” الذى أرسل الشعب اليهودي إلى المنفي ليبقي في المنفي، وليس للتمرد على الأمم، وليس للاستيلاء على الأراضي المقدسة بالقوة.

وقال الحاخام الحنان بيك أيضا: إن الصهيونية ضد كل جانب من جوانب الإنسانية، لأنهم يقتلون الكثير من الفلسطينيين، وبصورة مستمرة حتى يومنا هذا، وكل من يعرف شيئا عن التاريخ، يعلم أن المسلمين حمونا، وأنقذونا من الاضطهاد، وعشنا عصرا ذهبيا معهم.

وهذه النصوص التوراتية، والتفسيرات اليهودية، والشروح الحاخامية، تكشف عن مدى تعمق وتأصل فكرة زوال إسرائيل في العقل والفكر الإسرائيلي، وهذا ما يجعل الكثير من شعب إسرائيل يحتفظ بجنسية وطنه الأول، ويرتب أمور معاشه في مكان ما خارج إسرائيل حين تنتهي أو تزول إسرائيل.

يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقال له بعنوان: «نهاية إسرائيل» منشور على موقع الجزيرة نت بتاريخ 18/9/2006م: موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الإسرائيلي، فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيوني مستحيل، وأن الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس، وبعد إنشاء الدولة، وبعد أن حقق المستوطنون الصهاينة النصر على الجيوش العربية تصاعد هاجس النهاية

ثم يقول الدكتور المسيري: ومع انتفاضة الأقصى تحدثت الصحف الإسرائيلية عدة مرات عن موضوع نهاية إسرائيل، فقد نشرت جريدة «يديعوت أحرونوت» في 27/1/2002م مقالا بعنوان: «اليوم الأسود» جاء فيه: «الكثيرون يشترون شققا في الخارج تحسبا لليوم الأسود الذى لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه» أي نهاية إسرائيل.

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights