مقالات

د. حلمي الفقي يكتب: علاقة المسلمين بغيرهم

هذا هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، كما أوضحها القران الكريم في كثير من الآيات البينات، فقد خلق الله عز وجل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا، لا ليتحاربوا ويتقاتلوا، وجعلهم أمما متباينة، وأقطارا متباعدة، واتجاهات شتى، ليفيد بعضهم بعضا، ويعاون بعضهم بعضا، قال تعالي:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ ١٣}

[الحجرات: 13]

 فالله عز وجل جعل الناس جعل الناس مختلفين ليتدافعوا ويتعاونوا ويتحاوروا، وذلك لأن أصل العلاقات الدولية في الإسلام هو السلم، وليس الحرب، وهنا يجب التأكيد على أن دين الإسلام، وشريعة القرآن في غاية الوضوح في تقرير أن أصل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هي التكافل، والتعاون، والتناصح، والمودة، والبر، والعدل، أما القتال فلا يشرع بحال إلا لرد العدوان، أو الدفاع عن الدين أو النفس او الوطن أو العرض قال تعالى:

{عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٧) لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٩)}

[الممتحنة: 7-9]

فالأصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هو البر والعدل، والإحسان والفضل،

أما الحرب في نظر الإسلام فهي أمر مكروه، وشأن غير مشروع إلا في حالات الضرورة، قال تعالي:

{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٢١٦}

[البقرة: 216]

والحرب في الاسلام للدفاع وليست للهجوم والعدوان، الحرب في الإسلام لم تشرع إلا للدفاع عن الوطن أو النفس أو الدين أو العرض، وغير ذلك فلا تشرع بحال، قال تعالى:

{وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ١٩٠ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٩١ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٩٢}

 [البقرة: 190-192]

وقال سبحانه وتعالي:

{ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ}

[البقرة: 194]

فالحرب في الإسلام شرعت لرد العدوان، وتأمين الممتلكات، وحماية النفوس، والدفاع عن الدين والعرض، ولم تشرع للعدوان، وانتهاك الحرمات، وسلب الحقوق.

يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه الماتع الإسلام والآخر:

«لقد جاء القرآن على عكس كل الفلسفات، والنظريات، ومدارس التحليل النفسي، والاجتماعي، التي رأت في القتال والعنف والحرب غريزة أصيلة ولصيقة بالإنسان، وثابتا أزليا وأبديا من ثوابت النفس الإنسانية، جاء القرآن على العكس من ذلك كله، ليقرر أن القتال – إنسانيا ودينيا – أمر مكروه وطارئ واستثناء تفرضه الضرورات، فإذا حدث وفرضت الضروريات هذا الاستثناء الطارئ، فإن مثله كمثل كل الجراحات الضرورية والمكروهة لا يخلو من خير، إذا كانت مقاصده خيرة، وإذا دفع فسادا أكثر وأرجح، وإذا وقفت عند القدر الذى تحتمه الضروريات، وإذا ضبطت ممارسته بالشمائل والأخلاقيات الإنسانية والشرعية التي لابد وأن تتحلى بها فروسية هذا القتال».

وهنا قد يقول قائل: إن ما فعلته المقاومة الفلسطينية في يوم السابع من اكتوبر كان هجوما ارهابيا، وليس عملا دفاعيا.

وهذا وهم مفضوح، وكذب مفتوح، لأن عمل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023م عمل مشروع في ميزان الاسلام، بل اجتمعت فيه كل أسباب المشروعية للجهاد في الاسلام، لأنه جهاد للدفاع عن الوطن من احتلال غاشم، وجهاد للدفاع عن النفس والوطن والعرض والدين، فهو عمل جهادي اجتمعت فيه كل أسباب مشروعية الجهاد في الاسلام، وهو مقاومة مشروعة من وجهة نظر القانون الدولي لأنه مقاومة لتحرير الأرض من احتلال غاشم باعتراف الأمم المتحدة.

لقد احتلت إسرائيل أرض فلسطين، واغتصبت حق أبناء فلسطين في تقرير مصيرهم، وحكم بلادهم، وعبادة ربهم، بل انهم اغتصبوا حق المسلمين في مشارق الارض ومغاربها في زيارة قبلتهم الاولى ومسرى نبيهم، واعتدت على المسجد الأقصى ومدينة القدس وبذلت كل ما في وسعها من أجل هدم المسجد الأقصى وتغيير الخريطة السكانية لمدينة القدس، بل إن أكثر دولة اعتدت على القانون الدولي في العالم هي اسرائيل كما في سجلات الأمم المتحدة، المنظمة الدولية والهيئة الأممية المعنية بتحقيق السلم والامن في العالم كله، والمعروفة بانحيازها السافر والدائم للصهاينة على حساب الفلسطينيين، وعلى حساب حقهم المشروع في حكم بلادهم، وتقرير مصيرهم، وهذه شهادة من العالم كله بإجرام الصهاينة، واغتصابهم لكافة الحقوق المشروعة لأبناء فلسطين، وهذا ما يؤكد أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية كانت حركة تحرير لوطن محتل.

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى