مقالات

د. حلمي الفقي يكتب: مجازر الطحين

في فجر الخميس التاسع عشر من شعبان 1445هـ/ التاسع والعشرين من فبراير2024م

كان العالم على موعد مع واحدة من أقبح وأبشع مجازر التاريخ، حيث كانت جموع الجائعين من أبناء غزة العزة، يصطفون في طوابير طويلة من الثانية عشر ظهرا، وحتى الرابعة فجرا، ليحصلوا على حفنة من طعام يسدوا بها جوع أطفالهم، ويسكتوا بها صرخاتهم وتوجعهم الذى أوجع الإنسان والحيوان ولم يتوجع منه بنى صهيون، ومن معهم من دول الغرب المجرمة، وبعد ستة عشر ساعة من الوقوف في طوابير انتظار الطعام، وصلت شاحنات المساعدات القليلة الزهيدة اليسيرة، وهنا كانت المفاجأة التي تذهب بالعقول، وتطير لهولها الألباب، وتندهش منها القلوب، ولا يمكن أن تخطر علي بال، حيث قامت قوات جيش الاحتلال الصهيوني الغاشم الظالم بفتح نيران أسلحتهم الثقيلة على حشود الأبرياء العزل الجائعين في انتظار الطعام، وقصفتهم بالدبابات من الأرض، وبالطائرات من الجو، فقتلت أكثر من مئة وعشر شهيدا ارتقوا الى ربهم يشكون له جرائم الصهاينة ومن معهم، وجرح وأصيب المئات من الأبرياء العزل، في مجزرة ترتعد من هولها الضباع في الغاب.

هل وصلت وحشية الإنسان إلى هذا الحد؟

آسف، آسف، فالصهاينة ليسوا بشرا، وهم لعنة في جبين الإنسانية، وهم عار على البشرية، ولقد وصفهم الله عز وجل في كتابه بأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، فقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ } [البقرة: 74]

وأثبت اليهود بالوقائع والأفعال صدق القرآن.

ومثّل خبر مجزرة الطحين صدمة شديدة لكل إنسان حر في العالم، فلم يكن يخطر ببال إنسان أن تصل وحشية البشر الى هذا الحد.

والغريب في هذا الأمر أن الغرب الذي يدعى التحضر، والدول التي تزعم الإنسانية والتقدم، والإنسان الذي يدعى الرأفة بالحيوان، ما زال يدعم الهجوم الصهيوني الإرهابي الغاشم على الأبرياء العزل في قطاع غزة خصوصا، وفلسطين عموما.

إن المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني الظالم الغاشم أشد قسوة من مجازر الضباع التي تنهش جسد الفريسة وهى على قيد الحياة، لتأكلها وتحافظ على حياتها، فإذا شبعت بطونها كفت عن جرمها، وتوقفت عن افتراسها، أما جيش الاحتلال الغاشم ومعه الغرب الفاجر فيقتل بلا رحمة ويذبح بلا هوادة، إن القتل بالتجويع هو أسوأ أنواع القتل في التاريخ، وهو أشد قسوة، وأكثر ألما من القتل بأي سلاح آخر في الدنيا كلها، إن بشاعة القتل بالتجويع تتمثل في طول فترة الألم، وفى بشاعة الألم، فمن من البشر يتحمل صرخات اطفاله، وهم جوعي، يطلبون الطعام، ولا طعام، ويبحث الأب المكلوم للولد الجائع عن طعام، فلا يجد، ويذهب إلى الحقول عله يجد من خشاش الأرض ما يسد رمق الأطفال الجوعى، فتقصف طائرات الاحتلال المجرم، الآباء والأمهات الذين يبحثون عن الفتات في خشاش الارض، فإن ذهبوا للقمامة يبحثون عن الطعام بين الزبالة قصفوهم بالدبابات لتستمر صرخات الأطفال الجياع يتألم منها الإنسان والحيوان حتى الضباع في الغاب تتألم لصرخات أطفال غزة الجياع، إلا بايدن ومن معه، ويستمر بايدن في إرسال الأسلحة للاحتلال ليقتل الابرياء في غزة المحاصرة منذ قرابة العشرين عاما، ثم يزعم كذبا ارسال مساعدات عن طريق الجو، للضحايا الذين يحاصرهم وقتلهم ويجوعهم، ثم يرسل مساعدات قليلة حقيرة عن طريق الجو فيسقط نصفها في البحر، ونصفها  في اسرائيل.

وكنت أتوقع أن تكون مجزرة الطحين نهاية مجازر الجائعين على أيدي المحتلين الغاشمين الظالمين، فإذا بالطامة الكبري، وإذا بالاحتلال يرتكب المجزرة المروعة مرة ثانية وثالثة ورابعة أمام أعين العالم أجمع، وتوثق الكاميرات المجازر الرهيبة، لتستمر الجريمة الكبرى القتل بالقصف، لمن لم يقتل بالتجويع.

وهذا الإجرام الذي فاق الحدود، وتعدى الخطوط، وتجاوز مدارك العقول، لهو علامة على فجر النصر الذي بدأ يلوح في الأفق بإذن الله تعالي وحده، وذلك باعتراف وزير دفاع جيش الاحتلال نفسه الذى اعترف مرارا بأن جيش الاحتلال يواجه حربا شرسة كبدته خسائر لم تلحق به منذ اغتصاب كيانهم المزعوم، وأرقام القتلى من جنود الاحتلال بالألاف، وأرقام الدبابات المدمرة تجاوزت الالف، وهى خسائر لم يتعرض لها الكيان الغاصب منذ اغتصاب فلسطين على أيدى العصابات الصهيونية الإرهابية قبل خمسة وسبعين عاما، وصدق الله العظيم: {فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} [الإسراء: 7]

  {سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٤٥} [القمر: 45]

{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} [الرعد: 31]

ونحن على يقين لا يعرف الشك أن نهاية اسرائيل أصبحت اليوم أقرب من أى وقت مضى، لكن الغريب فى الأمر أن حذاق الصهاينة يوقنون بما نوقن به من أن زوال دولتهم بات وشيكا وقريبا،

  {فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا ٥١} [الإسراء: 51].  اللهم نصرك الذي وعدت

د. حلمي الفقي

أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى