حوارات

د.خالد سعيد: الخلط بين السياسي والديني وهيمنة لغة المصالح تقود الامة الإسلامية لنفق مظلم

حذر الدكتور خالد سعيد الداعية الإسلامي، المتحدث السابق باسم الجبهة السلفية في مصر، من خطورة خلط الجانب العقدي والسياسي وتوظيف ذلك الخلط لتحقيق مصالح سياسية معتبرا أن هذا الخلط يقود العالم الإسلامي لكارثة سيدفع الجميع ثمنها سنة وشيعة.

أوضح سعيد في حوار له مع «جريدة الامة الإليكترونية» أن دعمه لقوي المقاومة سواء أكانت سنية ام شيعية ،لا يعني تأييده للجرائم ذات البعد الطائفي والسياسي التي ارتكبتها إيران والقوي الموالية بحق أهل السنة في سوريا ولبنان والعراق، باعتبارها جرائم لا تغتفر ،بل يجب إدانتها ومحاسبة إيران عليها، بل ويجب على المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه.

هناك فارق كبير بين رفض عدوان إيران علي السنة في الشام والعراق وبين تكفير الشيعة

وكشف  عن أن السعودية أنفقت مئات المليارات لإنتاج فكر يقترب من الفكر الصهيوني، حيث لم تعد تفرق بين تصريحات الدعاة الموالين لها وتصريحات أفيخاي ادرعي وأيلي كوهين، من جهة العداء لحماس وحزب الله وإيران.

ونبه سعيد إلي خطورة النظر إلي المخالفين سواء أكانوا شيعة أو غيرهم من منظار واحد ، معتبرا أن هذا الحكم يخالف من انتهي إليه  العديد من أئمة اهل السنة ،وفي مقدمتهم ابن  تيمية الذي أيد نهج جماعات شيعية في مسائل ورفض نهجها في مسائل اخري بل تتنبأ بزوال دولها

الحوار مع الدكتور خالد سعيد، تطرق لقضايا عديدة، نعرضها بالتفصيل في السطور التالية:

السنة والشيعة

♦ تعالت خلال الفترة الأخيرة سجالات بين عدد من الإسلاميين حول الموقف من الشيعة في ظل اشتعال الصراع بين طهران وقوي المقاومة من جانب وتل أبيب؟

الأمر شديد الخطورة وملتبس جدا يتم من خلاله خلط الجانب العقائدي بالسياسي بأساليب لا تفتقد الي كثيرا من التدليس والتلفيق وخط الأوراق، ينساق إليها العامة من حسني النية، ويدفعهم بعض العملاء المأجورين، ويتم التطرق لمذابح تورط فيها الشيعة قديما وحديثا ضد أهل السنة والجماعة ارتكبت فيها المخالفات وسيطر عليها الغلو والتطرف والنزعات الطائفية المتشددة،

يحدث هذا في وقت يجري نوع من  التجاهل التام لمذابح جرت بين السنة انفسهم وشهدت مذابح ومقتل صحابة وتابعين وتابعي التابعين وسبيت فيها النساء في تاريخنا الإسلامي قديما وحديثا دون أن يكفرهم أحدهم، بل علي العكس يتم تقديس بعض أولئك الظلمة ووصفهم بأنهم أئمة وأمراء المؤمنين..

♦ مما يزيد الأمر خطورة في هذا السياق أن الجانب العقدي سيطر علي صراعات تبدو سياسية بامتياز؟

يجب في هذا السياق، أن يتم النظر لما جري في سوريا وفلسطين واليمن ولبنان أنه جاء في إطار المصالح السياسية والاستراتيجية بين القوي الإقليمية، دون تجاهل ما جري خلالها من مذابح مدانة ومستنكرة من قبل إيران والموالين لها..

التعامل مع فرق المخالفين بمنظور واحد خطأ فقهي فادح ومخالف لنهج أئمة السنة العظام

حيث تدخلت إيران لحماية مصالحها في سوريا وليس لدعم الأسد العلوي النصيري، كما تدخلت السعودية وقطر وتركيا، ولم يكن تدخلها لحماية أهل السنة!! إذ سيطرت لغة المصالح علي الجميع، وعرقلت الثورة السورية التي قام بها الاتقياء واختطفها الأشقياء كالعادة.

ولكن تم النظر للموضوع من بعد طائفي مذهبي، رغم أنه سياسي بامتياز، فالسعودية لم تتدخل لدعم السنة كما لم تتدخل إيران لنصرة الشيعة.

وانا هنا أدين الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ضد السنة في سوريا وتوريطها لحزب الله في الصراع وتشويهها لصورة الحزب أمام الرأي العام العربي.

♦في هذا السياق يتم تجاهل ما أقدم عليه دول مسماة بالسنية ضد الإسلام والمسلمين؟

بالطبع في هذا السياق الملتبس قامت السعودية من قبل بنشر الفكر السعودي النجدي وتجييش الجميع ضد الثورة الإيرانية طوال 40 عاما، حيث انفقت مئات المليارات لإنتاج فكر ينسجم مع الفكر الصهيوني في النهاية للأسف..

الحكام العرب والمسلمون يتجاهلون العواقب الوخيمة لنجاح إسرائيل في القضاء علي إيران وقوي المقاومة

فتجد دعاة وعلماء لا يختلفون عما تنطق به ألسنة الصهاينة مثل أفيخاي أدرعي وإيدي كوهين، فالحكام العملاء الخونة خدام التحالف الأمريكي الصليبي عندهم أولياء أمور الذين لا يجب الخروج عليهم مهما خانوا وباعوا الملة والأمة، والمقاومة عملاء لإيران الرافضية والرافضة عندهم شر من اليهود والنصارى، وتفضيل انتصار اليهود عليهم.

♦لكن النظر الي الشيعة من منظار يخالف التراث الشرعي وعمل أئمة أهل السنة والجماعة وفي مقدمتهم الإمام ابن تيمية؟

هناك قواعد للتعامل مع المخالفين بين موقفين بقبول بعض أفعالهم، ورد الأخرى؛ ومعاداتهم من وجه ونصرتهم في سياق آخر، فقد امتدح شيخ الإسلام ابن تيمية جهاد دولة بني حمدان ضد الصليبيين في سواحل الشام، وهم من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية رغم إشارته أنَّ زوال دولتهم “قدريًّا” كان لمخالفات شرعية كسب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على منابرهم يوم الجمعة…

بل أن الإمام بن تيمية وكان شيخا للحنابلة في الشام ، وهو من أرسل رسالته الشهيرة للناصر قلاوون لتحريضه على الشيعة المعتصمين في جبل كسروان ،لتعاونهم مع الفرنجة، إلا أنه أفتى بمعاملتهم معاملة أهل القبلة بعد التمكن منهم بعدم الإجهاز على جرحاهم أو سبي نسائهم ،أو غنم أموالهم باعتبارهم من أهل القبلة.

التفريق بين أصول المذهب الشيعي  ومعتقدا ت عوامهم ضرورة حتمية

والشيعة الاثني عشرية وهم شيعة إيران والعراق وغيرها يحكمون على الشيعة الإسماعيلية والنصيرية بالكفر، ويخرجونهم من الحظيرة الشيعة، لكنهم يعطلون المنظور العقدي ،ويتعاملون معه بذكاء واحتواء مادام يسيرون في ركابهم ،ويحققون مصالحهم ،كما يبدو واضحاً في تحالفهم مع نظام الأسد في سوريا.

♦ في هذا السياق المتوتر تعلو نغمة التكفير وتترك لمن هب ودب بشكل يهدد بعواقب وخيمة ؟

هنا يحضر مبدأ انفكاك الجهة الذي تحدثنا عنه فقد يرتكب المخالف أفعالا كفرية ولكنه لا يسمي كافرا، أو وهو ما يسميه أهل السنة بالتفريق بين الفعل والفاعل، ولا يكون التكفير الا بتحقق شروطه وانتفاء موانعه ووفق هذه القواعد الشرعية فالتكفير ليس تبعا لهوي ومزاج الفوزان أو الكوراني وإنما وفق منهج شرعي سني قويم.

التركيز  علي غلو وتطرف الشيعة وتجاهل تجاوزات الدعوة النجدية بحق أهل السنة مثير للاستغراب

♦ لكن عداء إيران والشيعة وارتكابهم مذابح بحق أهل السنة والجماعة يقودهم بشكل مباشر لحظيرة الكفر؟

من هنا ينبغي علينا التنبه إلي أن هناك فوارق لافتة بين عدوان إيران علي أهل السنة والجماعة، وبين الحكم بكفرهم تحقيقا لأهداف سياسية، وأنا هنا لا أشير لعدم تكفير أهل السنة والجماعة ليزيد بن معاوية وجيشه مثلاً رغم قتلهم  للآلاف من أبناء المهاجرين والأنصار في موقعة الحرة حبلت فيها 1000 أمراه من الغصب.

هل تقول: أن هناك خلطاً بين العقدي والسياسي ويؤكد أن الأهواء حاضرة لتكفير هذا وتقديس الأخر؟

الموضوع سياسي في المقال الأول لذا فإن لا أؤيد إيران عقديا بطبيعة الحال، وعندهم بدع غالية والدولة طائفية في تكوينها منذ أعلنت دستورها “شيعيا جعفريا إثنى عشريا” ولم تعلنه “إسلاميا”،  وهناك سب للصحابة وأمهات المؤمنين وغيرها من أمور كالغلو في آل البيت، والقول في القرآن ونحوها.

الخلط بين العقدي والسياسي وسيطرة الأهواء دفعنا لتكفير هذا وتقديس الاخر دون مبرر

ولكن علينا هنا أن نذكر أن هذه البدع ليست من أصول المذهب المعتمدة التي تعد القرآن هو نفس المصحف الذي بين أيدي كافة المسلمين في العالم، وعلينا هنا أن نفرق بين أصل مذهب الشيعة وما يشيع في بعض الخاصة والعامة منهم.

♦ إذا كان واقع أئمة الشيعة هكذا.. فما هي المشكلة هنا؟

هناك تيار عام شائع بين الشيعة يروج لهذه البدع والأكاذيب المنكرة، يقوم عليه تجار المواسم الشيعية موسم سيدنا علي وموسم السيدة فاطمة والسيدة زينب، وموسم العباس وموسم عاشوراء وغيرها، وهي مواسم لجباية الملايين من التبرعات والنذور والتجارة وغيرها ويقوم عليها شيوخ ورواديد وخطباء منبريون والأعلى صوتا والأوفر ربحا هنا من المتطرفون..

♦ غير أن خطورة نزعات التكفير لم تردع الكثيرين بل صاروا يغالون في ذلك دون اكتراث؟

المسلم لو دخل الإسلام من مائة باب وخرج من 99 بابا، ولم يبق له الا باب واحد لبقي مسلما، تحرزا من الخطأ في تكفيره، فالأصل في ديننا الحنيف هو أعذار الناس وليس الأصل إخراج الناس من الدين بل إدخالهم فيه، وليس هذا إرجاء كما يتصور بعض الجهال بل الفرق بينه وبين الإرجاء كما بين السماء والأرض.

إخراج إيران من المعادلة يجعل أمتنا الإسلامية الضحية التالية للإجرام الصهيوني

وأذكر هنا حادثة قتل أسامة بن زيد رضي الله عنه لمرداس بن نهيك، بعد أن نطق الشهادتين، ولوم النبي ﷺ له على ذلك بقوله: (هل شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب، أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله!)وقيل أنزل فيه قول الله ﷻ: “ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً).

♦ تتعامل مع الأمر من منظور سياسي ولكن ذلك لا ينفي إجرام إيران في حق السنة في سوريا والعراق وغيرها؟

نرفض قتلهم للمسلمين في سوريا والعراق، ونؤيد دعمهم للمقاومة في فلسطين ولبنان، ما المشكلة في تصور ذلك وهنا اطرح سؤالا: ما البديل اذا نجح الكيان الصهيوني في القضاء علي حزب الله وحماس وإيران لاسيما ان العديد من الفرحين بضربات الصهاينة للشيعة يعتقدون انهم الوريث الشرعي لإيران، ولا يدركون أنهم الضحية التالية، وأن إسرائيل تريد السيطرة علي المنطقة من النيل للفرات والوصول للمدينة المنورة وحصون خيبر وجنوب الليطاني.!

دعم الكيان الصهيوني في حربه مع إيران والمقاومة سيقود دولنا للنهاية وتحقيق حلم من النيل الفرات

والغريب أن المتصهينين يظهرون الجانب العقائدي في تصورهم للصراع مع الشيعة، ويغلبون السياسي في تصورهم للصراع مع اليهود، هذا إن كانوا يعتبرون أنفسهم في صراع معهم أصلا.!

لكن العديد من أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يتناسوا جرائم الإيرانيين الروافض ضدهم في عدد من بلدان المنطقة؟

♦ أكرر هنا أني أستنكر هذه الجرائم بضراوة وانكر تطرفهم المذهبي، ولكن بالمقابل فقد حدثت ضدهم مذابح ومجازر مماثلة من جماعة التوحيد والجهاد في العراق كما جرى في تفجير الجسر ومرقدي الإمامين العسكريين، ومذابح داعش -المحسوبة علي أهل السنة والجماعة رغم كونهم خوارج- في قتل الجميع سنة وشيعة وصوفية وغيرهم..

غير أني هنا لا أساوي بين الجميع فأهل السنة هم اهل الحق وهم عمود المسلمين ومن اسندوا أحاديث النبي وصانوا سنته..

♦ باعتقادك ما خطورة استمرار نزعة التكفير في فكر أهل السنة والجماعة؟

نيران الغلو والتكفير ستطال الجميع، ولا يجب أن ننسى قتل 350 مصلي من المسلمين في سيناء وهم يصلون الجمعة، ورغم ان التكفير حكم شرعي أصيل في باب “الأسماء والأحكام ” وهو من أبواب العقيدة، ولكننا نحتاج إلى علم وفهم لأحكام التكفير وعدم إطلاق الأمر علي عواهنه، وفتح الباب لأغرار لم يقروا كتابا كاملا في العقيدة بامتهان مهنة التكفير البغيضة.

علو نغمة التكفير سيحرق الجميع واجرام داعش لم يفرق بين سني وشيعي

♦ هل تلقي بالمسئولية على الدعوة النجدية فيما يجري من غلو وتكفير للشيعة وغيرهم؟

يجب أن نضع في اعتبارنا ان الدعوة النجدية نفسها  قتلت من المسلمين السنة أعدادا كبيرة في جزيرة العرب، وكانوا يعدون من لم يبايعهم مرتداٍ،  وهو ما ذكره ابن غنام وابن بشر من مؤرخي الدعوة النجدية، كما جردوا الجيوش لتدمير القية النجفية ومراقد الأئمة في العراق، بل هاجموا الأباضية في عمان.

♦ ولكن في المقابل هل قاتلوا أي عدو خارجي من القوى المعتدية على المسلمين كاليهود أو النصارى!

من فعل ذلك وجاهد كل هؤلاء الأئمة العظام مثل عمر المختار وعبدالقادر الجزائري وعبدالكريم الخطابي، والإمام باساييف وكلهم من الصوفية، وسجلهم الحافل في مواجهة الاستعمار، ومع ذلك لم يسلموا من دعاوى التكفير والتبديع النجدية، واتهام الصوفية جملة أنهم قنطرة الاستعمار، وهنا اتعجب بشدة ممن لم يقاتل عدوا كافرا قط كيف يتهم من جاهد طوال تاريخه بأنهم حلفاء وعملاء له!

رد عدوان إيران علي اهل السنة فرض عين ولكن دعم الكيان في مواجهتها كارثي

♦ إذن ما هي الكلمة الفصل في التعامل مع الشيعة وخصوصا إيران في ظل جرائمهم ضد اهل السنة في عدد من لدول العربية؟

القول الفصل هنا أن الشيعة ارتكبوا جرائم في حق السنة وضلالاتهم العقدية معروفة مرفوضة وغلوهم الطائفي منبوذ، فيجب رد عدوانهم علي اهل السنة وقتال المعتدي منهم أو الصائل، ولكن ما هو غير مقبول أن نتمنى هزيمتهم إذا ما واجهوا العدو الصهيوني أو نواليه معه ضدهم ولو بكلمة، وإلا فتحنا بلدان المسلمين أمام اليهود والصليبين علي مصراعيها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى