د. خالد فهمي يكتب: الطوفان الجديد «4»
◾ يقول رب العزة والجبروت ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ﴾[سورة الإسراء 17/4].
◾ هذه آية أمل بامتياز؛ لأنها آية تعين أخطر ما يواجه الإنسانية اليوم من الفساد والطغيان، المركوز في القوم المعروفين بالصهاينة الذين هم امتداد أكثر فسادا وطغيانا وشرا من بني إسرائيل المفسدين التاريخيين.
◾ الآية تخبر بالعلاقة اللغوية المؤكدة المتمثلة في الفعل الماضي ﴿قضينا﴾ والفعل في المعجم العربي بمعنى أخبرنا وأنزلنا في الكتب والفعل بمعنى حكمنا، وقدرنا، وسبق من الله القرار، والفعل بمعنى أبلغنا بقرينة التعدي بحرف إلى في الآية الكريمة ﴿وقضينا﴾ إلى بني إسرائيل.
◾ والأية تعلن أن المادة موضوع الإخبار والإبلاغ والحكم والتقدير هو فساد قوم متعينين مذكورين بالاسم العلم ومادة موضوع الإخبار والحكم هو ﴿لتفسدن﴾ الذي جاء فعلا مضارعا دالا على نمط من الاستمرار والتمدد مشفوعا بمؤكدات ظاهرة بقرينة للام قبل الفعل، ونون التوكيد المتصلة به في آخره والفساد المذكور في البنية الفعلية المتجددة التي يأمر القرآن الكريم دائما باستحضارها تمهيدا للاستعداد لمواجهتها متوجه إلى الأرض، الفساد في الآية بموجب قراءة التاريخ هو القتل المتوجه لأئمة الصلاح والهدى، وأعلى من يمثلهم الأنبياء، وقد قتل هؤلاء المجرمون الأنبياء ظلما وعدوانا، والفساد في الآية التغلب على أموال الناس قهرا واغتصابا وسرقة، والفساد في الآية إخراب الديار والزروع والفساد.
◾ في الآية تدمير الحضارة، هذا صوت المفسرين على امتداد العصور من القديم إلى العصر الحديث
والفعل ﴿لتفسدن﴾ يفسر ذلك الذي يحدث من هؤلاء المجرمين باستمرار ؛ ذلك أن التجدد معناه حدوث المعنى بين الحين والآخر، والحاصل اليوم ترجمة واقعية توقفنا على كل صنوف الفساد؛ فتلا بالجملة، وقتلا بالانتقاء والتعيين لذوي الأهمية من أهل العلم والصلاح والتأثير وهدما مروعا، وحرقا متعمدا، وتخريبا شاملا!
وحديث الكتاب العزيز عن إفسادهم في الأرض يتوجه إلى العموم بموجب أن الأرض هى الأرض المقصودة عند الإطلاق وقد تجلى إفساد هؤلاء المجرمين المعاصر فظهر في بلدان كثيرة في كل قارات الأرض، وحديث الكتاب العزيز عن إفسادهم في الأرض يتوجه إلى الخصوص بموجب أن الأرض عند إرادة أرض معهودة هى أرض فلسطين
﴿ومرتين﴾ ظرف زمان ليس المقصود منه إعلان الحصر، ولكن إشارة إلى أعلى حالات الإفساد، قديما في قلتهم الأنبياء وتخربيهم الحضارة، ومستقبلا بدلالة الفعل المضارع ﴿لتفسدن﴾ وبدلالة ﴿ولتعلن﴾ المضارع أيضا
وختام الآية يشير إلى أن أعلى آخر المرتين هو ما يقع الآن من بداية القرن العشرين المشئوم الذي يشهد:
أولا- اجتماع غالبهم في الأرض المحتلة
ثانيا- كثافة إجرامهم وإفسادهم
ثالثا- تنوع صور الإفساد: قتلا وحرقا وهدما
◾والآية تصف هذا العلو بالكبير، والوصف صادر عن الله تعالى، وصدور هذا الوصف ﴿علوا كبيرا﴾ من الله تعالى تبشيع له، وإدانة لهم، واستفزاز ملكات الأمة لمواجهتهم.
◾ الآية نص صريح في ضرورة حصول التنبه الشديد من المسئولين عن حماية الأمن القومي لكل الذين يجاورون هذا العدو المجرم، إن في الداخل الفلسطيني، وإن في المحيط الذي يجاوز فلسطين مما يسمى بدول الطوق، أو ما يسمى في اللغة الشريفة بأكناف بيت المقدس، ومصر من أكناف بيت المقدس.
◾الآية تشير إلى أن ما يحدث من علامات الاعتراض الصادرة من الشعوب في البلدان الكثيرة في أرجاء الدنيا- أمر إيجابي معناه أن الدنيا روعها العلو الكبير، والعلو الكبير طغيان، والعلو الكبير إجرام، والعلو الكبير عصيان، والعلو الكبير انحطاط عن كل معاني الإنسان، وارتقاء في سلم التوحش والحيوانية.
◾الآية نص واضح جدا في التحذير والنذارة للأمة والعالم بضرورة الاحتياط والتوقي من فساد هؤلاء، وهو بعض ما فهمته طوائف المرابطين!
الآية نص صريح جدا في دعوة الساكنين ” الأرض” المذكورة المقصودة في الآية بضرورة التخطيط والاستعداد والعمل لمواجهة صور العلو أو الطغيان أو الإفساد، أو العصيان الموصوف بالكبير.
◾الآية تخاطب أهل فلسطين، ثم تخاطب المصريين، ثم تخاطب كل العرب، ثم تخاطب كل المسلمين بوصفهم ورثة الهدى الخاتم المأتمنين على تخليص العالم من علو المجرمين الكبير.
◾الآية تعالن بضرورة توسيع دوائر المواجهة والاستعداد لها بالتعليم والإعلام والثقافة، والصناعة والتسليح والتدريب
والآية تعالن بضرورة ذلك باستمرار الإعداد الشامل لمواجهة، لأن الإخبار عن الفساد والعلو دال على تجدده من هؤلاء المجرمين.
◾الآية تعلن أن إفساد هؤلاء قائم متجدد وهو ما يعني أن الأمة مأمورة أن تنزل برامج الاستعداد لمواجهة هؤلاء المفسدين العالين الطاغين منزلة الشأن الاستراتيجي الذي لا يصح أن يغيب عن الوعي الخاص والعام في لأية لحظة من اللحظات!