مقالات

د. خالد فهمي يكتب: الطوفان الجديد «6»

◾ يقول اللطيف الخبير الناصر المعين ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ [سورة الإسراء 17/6] هذه آية كاشفة جدا …

◾ الآية كريمة سرها في توجيه فاعلية الضمير فيها!

الآية تتكلم عن حقب متراخية بين تحقيق موعد الله تعالى بعد مرة الإفساد الكبري الأولى، ومعاودة ارتفاع فساد بني إسرائيل مرة أخرى بعد الانكسار الأول العظيم الذي جاس فيه عباد لله خلال الديار، فقتلوا وأسروا.

وهذه الحقب المتراخية هي نتائج تأمل ﴿ثم﴾ و ﴿رددنا﴾ تعني أعدنا، ومكنا ما به استعادة العلو والتنامي و ﴿لكم﴾ تحتمل أن يكون الخطاب للمفسدين الذين كتب الله لكم أن يرجع إليهم المال والقدرة بعد تراجع الحالة الإيمانية في صفوف الأمة المسلحة المؤمنة، فيكون الرد مقدمة للعلو الأخير الممهد للضربة الأخيرة المخلصة من الإفساد الأخير المشار إليه في المرتين …

و﴿لكم﴾ تحتمل أن يكون الخطاب للمؤمنين المسلمين الموحدين الناصرين الله من طريق النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم

وهذا الاحتمال أول الاحتمالين؛ لأن هذا الكتاب هو الكتاب الذي نزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقصد به هداية المسلمين على رأي الدكتور محمد الحسن ولد الدود.

﴿الكرة﴾ استعادة المكانة، واحتياز العلو الذي كان قبل تحقيق موعود الله بكسر بني إسرائيل المفسدين بعد مرة الإفساد الكبرى الأولى من المرتين المذكورتين

الكرة: عودة، ورجوع والكرة إن كان الكلام معطوفا على ما قبله – مقصودا به المجرمين هو التمهيد للعلو الأخير الذي هو لازم لتحقيق الانتصار في المرة الثانية على الإفساد لثانية الكبيرة

والكرة: عودة رجوع وسطوع للإيمان إن كان الكلام خطاب للأمة المؤمنة المسلمة، وبهذا تكون الآية بشارة وتكليف، بشارة بالنصر، وتكليف باستثمار للأدوات اللازمة للنصر وهي:

أولا- استثمار الديموغرافيا (السكان) الحقبة المتنامية

ثانيا- استثمار الثروات المتدفقة

ثالثا- استثمار الإعلام والثقافة

◾وهذه الثلاثة الأصول هي مادة المقاومة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وأمددناكم بأموال، وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾

الأموال هي الثروات المتدفقة التي تتجدد في الأمة والبنون هم القوة السكانية المتنامية، وهم الخصوبة الفريدة التي لا يقترب منها في العدد بلد في كل الدنيا، حتى قالت التقارير السكانية إن العالم العربي والإسلامي يتفجر خصوبة!

والنفير هو الجاه، وسلطة العلم، والتفوق الحضاري، والتمكن الإعلامي والثراء الإبداعي

الآية تقول وتعالن أن طريق النصر والظفر واستنقاذ المقدسات واسترداد الأرض مفتوح مشرع بموجب وعد الله تعالى الذي تتحرك به دلالة الفعل ﴿رددنا لكم﴾

◾ والآية تقول إن الله هو الذي يملك “تجديد النعمة” على حد تعبير الماوردي في تفسيره النكت والعيون [2/477]

◾الآية تقول إن كثرة العدد سلاح جبارة قادر أن يخيف العدو وأن ينفره ويبعده ويجليه من الأرض

◾والآية تقول إن على الحكومات أن تستثمر سواد شعوبها، فهذا السواد أو الكثرة ورقة استراتيجية بالغة الخطر، تمكن هذه الحكومات من أن تحقق نجاحات لا حدود لها

◾والآية تقول إن على الحكومات أن تؤمن أن الشعوب ثروة، وأن تزايد السكان قوة لكل منهم على الحقيقة من إمداد الله كما قال في الآية الكريمة

◾والآية تقول إن على الحكومات أن تتوسع في استثمار الأصوات العلمية، والمؤتمرات والندوات والإذاعات والفضائيات ومختبرات الجامعات وقاعات الدراسة والمسيرات في الميادين والتجمعات لأنها داخلة فيما يجعلنا أكثر نفيرا، وعزا وجاها وتأثيرا

 الآية تنبه الآية إلى ما في أيديها مما به استعادة العلو من جديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى