مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: أحبوا الخير للناس

اعتدتُّ لدى عودتي إلى القاهرة قافلًا من البحيرة على طريق الإسكندرية القاهرة الزراعي أن أتناول كوبًا من القهوة لاستعادة نشاطي.. ولمّا كان غالب أنواع البُنّ الموجود عند الأماكن التي تبيع القهوة لا تعجبني؛ فإني أحمل قليلًا من البُنّ الخاص بي دائمًا، فأحتاج للماء المغلي فقط.

والعادة أن أُقف عند بعض الأماكن لآخذ منهم الماء المغلي وأكرمهم لقاء ذلك، وأطلب أشياء أخرى لأن غالب المصريين يكره بيع الماء وهو أمر محمود ولا شكّ.

وفي ذات مرة توقفت عند مكان ما وأصحابه يعرفونني، فوجدت بالمكان شخصًا لا أعرفه ولا يعرفني، فطلبت بعض الأشياء التي لا أحتاجها؛ مساعدة لهم وطلبت الماء المغلي فوافق.. ثم تذكّرت إنني نسيت هذه المرّة أن أحمل أكوابا ورقية أو كوبًا من الزّجاج؛ فكرهت أن أشرب في أكواب مستعملة، فاعتذرت له عن عدم الحاجة للماء المغلي وحاسبت على مشترياتي، فلاحظت أنه يبالغ في الثمن ويزيد في الحساب مغالطًا فيه عند الجمع، فاحتسبت راضيًا مساعدةً مني ومراعاةً لأحوال الناس هذه الأيام!

اعتدلت بسيارتي للخلف قليلًا وتحركت للأمام قليلًا فلاحظت بالكاد وجود قهوة خلف السور العالي من بضاعة المعرض الذي اشتريت منه؛ سور عال من كراتين الماء وأشياء ليست للبيع والشراء! أعدها ذلك الإنسان صاحب المعرض سادًّا بها الأفق على هذه القهوة المتواضعة.

تراجعت قليلًا وتوقّفت مرة أخرى وذهبت لهذه القهوة المتواضعة -فالمكان أمامها لا يصلح أن تقف فيه السيارة- وسألت صاحبها: لم اتنبه لك من قبل؛ لماذا لا تضع ما يدلّ عليك؟ فأومأ برأسه إلى صاحب المعرض الذي اشتريت منه! وقال: منه لله!

قلت: من؟

قال: اللي كنت عنده من شوية! هو بالذات دون إخوته يبيع بأسعار عالية ويفعل ويفعل!.

قلت: عجيب؛ ما الذي سيضره لو دلّني عليك الآن؟.

قال: لا يمكن يعملها! منه لله، ده بالذات غير اخوته التانيين، معاكسني ويكره الخير للناس، دا بيكره نفسه!

قلت له ملاطفًا إيّاه: انت اسمك أيه؟

قال: ربيع

قلت: ياه يا عم ربيع! اسمك أجمل اسم! أنا اسمي ربيع! وضحكنا..

تحدثت قليلا مع عم ربيع وداعبته محتسبًا ولاطفته وقضيت معه وقتًا أستمع له مسرّيًا عنه، فمضى الوقت دون أن أشعر؛ حتى ظنّ من معي بالسيارة أنه حدث لي مكروه!.

أخذت منه ما أردت لي ولمن معي في السيارة وأكرمته وانطلقت في طريقي متأملًا ما رأيت؛ لماذا نكره الخير لبعضنا؟ لماذا هذه الأحقاد؟

استمريت فيما رأيت مستغرقًا في أفكاري.. ولم أنتبه إلى قهوتي التي بردت وكنت أريد تناولها ساخنة في هذا البرد.

ذكّرني اليوم العم ربيع -الذي رمى البرتقال فوق الشاحنات المتجهة إلى غ ز ة معطيًا بعض البرتقال لسائقيها مخاطبًا إيّاهم: كلوا من ده وسيبوا اللي فوق يوصل لحبايبنا في غ ز ة- بعم ربيع صاحب القهوة الطيّب الذي يظلمه جاره ويحقد عليه.

أحيانًا أشعر أن قسوة القلوب التي سيطر عليها الحقد ولا تعرف التسامح ولا حب الخير للناس سبب مباشر في غضب الله سبحانه ونزول عقابه.

لا أدرى كيف يصلّي ويصوم ويتفاعل مع مجتمعه هذا الذي سدّ الأفق على جارٍ مسكين ليس له لقمة عيش يتكسّب منها ويطعم أولاده منها إلا هذا المكان منذ عشرات الأعوام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights