مجرد ثرثرة
منذ بداية حياتي وإلى اليوم؛ لا أحب -بل لا أطيق- أن استمع لنفسي في شيء مسجّل؛ سواء كان مسموعًا أو مرئيًّا!.. ولا أدري ما سبب ذلك؟!.. رُغم ابتلائي بأن أخطب الجمعة والعيدين وإلقاء الدروس بالمساجد منذ الصِغر لفترة طويلة؛ كانت من أوّل الثمانينيات إلى آخر التسعينيات؛ عشرون عامًا!..
وقد تسبّب ذلك الأمر في أن أعزف تمامًا عن تقديم شيءٍ مسموعٍ أو مرأيٍ يُذكر، وقد اتّجهت -فيما بعدُ- طوعًا للتأليف ووشوشة القلم!.. لكني وجدت نفسي -أيضًا- لا أحب أبدًا قراءة ما أكتب..
إلى أن نصحني -منذ سنوات قليلة- جماعة ممن أقدّر إخلاصهم وفضلهم وعلمهم بضرورة قراءة ما أكتب بهدف المراجعة والتنقيح والإضافة.. وقد كان والحمد لله؛ مما كلفني جهدًا مضاعفًا وصرفني عن كثير من إنجاز الجديد، لكنه كان أفضل كيفًا لا كمًّا..
وقد حاول -فيما مضى- جماعة من أصحاب القنوات الفضائية استدراجي لتقديم بعض الحلقات؛ وكان ذلك في بدايات انتشار تلك الفضائيات، لكني وجدت نفسي مصروفًا عن ذلك، ولا أعرف له سببًا.. لكنه كان الأفضل والحمد لله.
نحن لسنا مخيّرين مئة بالمئة كما نتصوّر أحيانًا!.. نحن مخيّرون في الظاهر، مسيّرون في الحقيقة؛ ولذلك كانوا يقولون: الإنسان كائن مخيّر في كون مسيّر..
فالمرؤ في الظاهر ذو اختيارِ
والجبر باطنًا عليـه جارِ
وكان من عجــائب الجبَّـــارِ
أن يُجبر العبدَ بالاختيارِ
كفعله فيما له فيه ضررْ
يفعله طوعًا على وجه النظرْ
فليعذرني الذين رفضت لهم طلبًا فيما مضى، أو خيّبت لهم ظنًّا، أو قطعت لهم رجاءً، والخيرة فيما اختاره الله.. وإني لراضٍ بذلك تمام الرضا، والحمد لله أوّلًا وآخرًا..
أقول ذلك بمناسبة أن أحد الفضلاء ممن أحبهم استطاع -منذ أسبوع- بأدبه الجمّ ووقاره غير المتكلّف وأسلوبه الراقي أن يقنعني بتسجيل حلقة معه لمدة نصف ساعة فقط، أشبه ما يكون بتلك البرامج التي يطلقون عليها بالأعجمية: (بودكاست)..
ولما طلب مني مراجعتها بعد (المونتاج) وقبل البثّ؛ وجدت نفسي لا أطيق سماع نفسي!.. ورجوته أن يهملها أو نعيد تسجيل غيرها، لكنه أقنعني بأن فيها ما يفيد منه المشاهد، ولعله يرى ما لا أرى، ولعلي غلبني ذلك الطبع المركوز في نفسي والذي بدأت المنشور به.. وليفعل الله ربي ما يشاء.. إن ربي لطيف لما يشاء..