د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: رحم الله الشيخ أحمد المحلاوي
ما إن استقر بي المقام في السنة الأولى من فترة الدراسة الجامعية في عام ١٩٨٥ وفي أول جمعة أصليها في الإسكندرية؛ قال لي شقيقي الدكتور رمضان هانروح نصلي الجمعة في مسجد القائد إبراهيم في محطة الرمل عند الشيخ أحمد المحلّاوي. وكنتُ أول مرّة اسمه رحمه الله.
ذهبنا مبكّرين ووجدنا القارئ الشّيخ عبد المنعم الطُّوخي يقرأ القرآن مُجوّدًا بالمسجد ثم يؤذّن الأذان الأوّل، وبعده بقليل وجدت رجلًا طويلًا ذا هيبة ووقار، مستنير الوجه ينقدح من عينيه الشّرر! تقرأ في قسمات وجهه هموم الأمة كلّها، صعد المنبر وألقى السّلام الذي لا يزال يرنّ في أذني لليوم.
وما إن بدأ خطبته وسمعت نبرة صوته وطريقة إلقائه؛ حتى أدركت أني لم أسمع خطيبا من قبل ولم أشهد مقام عزّ وفخار كهذه السّاعة!
وكان رمضان قد أوعز لي ببعض ذلك واختصر لي الوصف في جُمل قصيرة كاشفة، والحقّ يقال إنه دلّني -بعدها بقليل- على خطيب آخر في مسجد صغير في حي الحضرة أو عزبة سعد، وكان قريبًا من المدينة الجامعية التي نسكنها آنئذ، وكانت له طريقة وأسلوب يربط فيه القصص القرآني بالواقع الذي نحياه..
وكنا نبادل بين الخطيبين حسب الهمّة والوقت لا سيما في السّنوات الأولى.. ولا أنسى هنا لأخي رمضان فأذكر -ما ذكرته في كتاب مراتع الصِّبا- إنه كان دائما يسبقني بخطوة أيام الصّبا والشّباب.
خطبة الشيخ المحلاوي رحمه الله لا تُوصف لأنها تُحسّ، ولا تعبّر عنها الكلمات لأن الدّموع والمشاعر يغنيان، ولا تفي الحروف لأن الشّعور بمجد وعزّ أمّتنا كله يتدفّق مُنسابًا بين يديك وأنت في حضرة الشيخ المحلاوي؛ سواء أثناء الخطبة، أو تكبيره في الصلاة، أو قراءته، أو درسه الذي يكون بعض الصلاة.
هذا فيما يخصّ موضوع الخطبة، أما اللّغة والرّصانة والبلاغة وطريقة الأداء فإني أكثر عجزًا عن وصف كل ذلك عن وصفي الذي تقدّم في موضوع خطبته.
ولا يخفى ما حدث للشّيخ المحلّاوي بعد ذلك! رحمه الله رحمة واسعة.. الشيخ الذي أشعرنا بالعزة ومجد أمتنا في فترة كان وضعنا العام وحالنا لا يخفى على أحد.. وأعلى درجته في الجنة وجزاه على ما قدّم خيرًا.
اللّهمّ أجرنا في مصيبتنا وأخلف علينا خيرًا منها..