د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: لقد خلقنا الإنسان في كبد

قال لي فضيلته: كل الناس يعرفون معنى الآية: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}؛ لكن ما هي مظاهر هذا الكَبَد في حياتنا؟
قلت: صحيح.. كما تعلمون فضيلتكم أنّ الكَبَد: يعني الشّدة والمشقّة والعناء والتّعب؛ وأنّ أصل الكَبَد مشتقّ من وجع الكَبِد؛ يُقال: كبد يكبد كبدًا: تألّم من وجع في كَبِده، ويُقال: لقي من الأمر كبدًا: أي: تحمّل منه المشاقّ.
وأما مظاهر هذا الكَبَد في حياتنا؛ فقد حاولت حصرها وترتيبها أكثر من مرة، لكني وجدت أن الإمام القرطبي رحمه الله قد سبقني لهذه المهمة منذ قرون، وذكرها تفصيلًا في تفسيره لهذه الآية الكريمة؛ فقال رحمه الله:
قال علماؤنا: أول ما يكابد -أي: الإنسان-:
1- قطع سُرّته،
2- ثم إذا قُمّط قِماطًا، وشُد رباطًا، يكابد الضّيق والتّعب،
3- ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع،
4- ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرّك لسانه،
5- ثم يكابد الفطام، الذي هو أشدّ من اللّطام،
6- ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان،
7- ثم يكابد المُعلِّم وصولته، والمؤدِّب وسياسته، والأستاذ وهيبته،
8- ثم يكابد شغل التّزويج والتّعجيل فيه،
9- ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد،
10- ثم يكابد شغل الدُّور، وبناء القصور،
11- ثم الكِبَر والهِرَم، وضعف الرُّكبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغمّ الدَّين، ووجع السن، وألم الأذن،
12- ويكابد مِحَنًا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة،
13- ثم الموت بعد ذلك كله،
14- ثم مساءلة الملك، وضغطة القبر وظلمته ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إمّا في الجنة وإمّا في النار.
نسأل الله اللطف والمعونة والتيسير والفرج إنه على كل شيء قدير..