أثناء دراستي لكلمة: فرث التي هي لفظ من فرائد القرآن لم ترد فيه إلا مرّة واحدة؛ لفت نظري قول ذلك الحبر العالم الموسوعي عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ قوله الذي احتفي به المفسرون جميعهم تقريبًا في تفسيرهم لهذا اللفظ؛ إذ يقول رضي الله عنه: إذا أكلت الدّابة العلف واستقر في كرشها وطحنته؛ فكان أسفله فرثًا، وأوسطه اللبن، وأعلاه الدم، والكبد مسلّطة عليها، تقسمها بتقدير الله تعالى، فيجري الدم في العروق، واللّبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.
وأعجبني قول الطاهر ابن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير: وهذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلمية، إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذٍ أن يعرف دقائق تكوينه، ولا أن يأتي على وصفه بما لو وَصف به العالم الطبيعي لم يصفه بأوجز من هذا وأجمعَ.
وإليكم ما جاء في الدراسة للفظ:
فَرْثٍ
والفَرْث: فضلات طعام الحيوان ما دام في الكرش، فإذا خرجت سُمّيت روثًا؛ يُقال: أفرث الكرش: شقّها وأخرج منها الفراثة. واللفظ في قول الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ}.
قال البغوي رحمه الله: {مِن بَيْنِ فَرْثٍ} وهو ما في الكرش من الثفل، فإذا خرج منه لا يسمى فرثا، {وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} من الدم والفرث ليس عليه لون دم ولا رائحة فرث… قال ابن عباس: إذا أكلت الدّابة العلف واستقر في كرشها وطحنته؛ فكان أسفله فرثا، وأوسطه اللبن، وأعلاه الدم، والكبد مسلّطة عليها، تقسمها بتقدير الله تعالى، فيجري الدم في العروق، واللّبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.
وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} نبّه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا بين الفرث والدم. والفرث: الزَّبل الذي ينزل إلى الكرش، فإذا خرج لم يسم فرثا. يقال: أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها. والمعنى: أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم، ثم يخلص اللبن من الدم؛ فأعلم الله سبحانه أن هذا اللبن يخرج من بين ذلك وبين الدم في العروق.
وقال ابن عاشور رحمه الله: والفرث: الفضلات التي تركها الهضم المَعِدي فتنحدر إلى الأمعاء فتصير فَرثا. والدّمّ: إفراز تفرزه الكبد من الغذاء المنحدر إليها ويصعد إلى القلب فتدفعه حركة القلب الميكانيئية إلى الشرايين والعروق ويبقى يَدور كذلك بواسطة القلب… ومعنى كون اللّبن من بين الفرث والدّم أنه إفراز حاصل في حين إفراز الدّم وإفراز الفرث…
وهذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلمية، إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذٍ أن يعرف دقائق تكوينه، ولا أن يأتي على وصفه بما لو وَصف به العالم الطبيعي لم يصفه بأوجز من هذا وأجمعَ.