مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: وما هي من الظالمين ببعيد

قرأ الإمام في صلاة المغرب بصوت خاشع من سورة هود -وما أدراك ما سورة هود- وعندما بلغ آية حلول العذاب بأهل سدوم؛ قوم لوط عليه السلام: (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود) خنقته العبرة وصار يكافح بصعوبة بالغة من أجل إكمال الآية الكريمة.

ولما قرأ الآية التي بعدها؛ (مسوّمة عند ربك وما هي من الظالمين بعيد) انقطع صوته من شدة البكاء وركع وهو يبكي، وبكى المصلّون خلفه، وانتهت الصلاة ومعظم المصلّين لا يتحكّمون في أعصابهم، وربما شهق البعض ببكاء مكتوم، يكاد يقطّع الأكباد..

أدري أن هذا البكاء قد تكون له دوافع أخرى عند بعض الناس؛ ساعد معها جمال الآيات الكريمة، وحلاوة صوت الإمام جزاه الله خيرا، ومن هذه الدوافع استشراء الظّلم، وكثرة المظلومين، وبقاء الظّالمين سالمين والآية تتوعّدهم؛ (وما هي من الظالمين ببعيد) أي: الحجارة المسوّمة.. إي والله؛ ما هي منهم ببعيد..

بعد الصلاة؛ التفت إلي صاحبي وقال والدموع تملأ عينيه الحمراوين: أومال هي فين؟

فقلت له: هي أيه؟

فقال: الحجارة المسوّمة.. جاوبني انت تخصّصك التفسير.. جاوب جاوب. ويبكي ويعلو صوته..

فقلت: باقية وماضية.. الحجارة باقية، وسنن الله ماضية، ماضية لكنها طويل عمرها، ويستبطؤها غير المؤمنين.. (فاصبر إنَّ وعد الله حق)، (ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون) (واصبر وما صبرك إلَّا بالله) فاستعن بالله.

والله ليأتن الفرج عن قريب، ولَيَنْتَصِفَنَّ المظلومون، ولَيَهْلِكَنَّ الظالمون.. (ولا تحسبنَّ الله غافلًا عمّا يعمل الظالمون) (فلا تحسبنَّ الله مخلف وعده رسله إنَّ الله عزيز ذو انتقام)..

وبينما نحن في حديثنا هذا؛ اقترب بعض المصلّين مستمعين للحوار، وانصرف بعضهم يخفون دموعهم وآثار بكائهم، قد عمّهم الرِّضا والثِّقة في موعود الله، وصاحبي يتهلّل وجهه شيئًا فشيئًا رويدًا رويدًا، حتى استنار محيّاه، وصار وجهه ليس الوجه الذي سألني به معنّفًا منذ قليل، ولولا أن الله جلّت قدرته أجرى على لساني ما سكّن لوعته لقاتلني، أو نهرني، أو اهتزّت ثقته في موعود الله سبحانه..

فثقوا في وعد الله أيها الأحباب، ولا يستخفنكم استبطاء وقوع ما وعد الله به، ولا يقعدنكم ذلك عن دعائه سبحانه وطلب انتقامه من الظالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى