كنت أتعجب -فيما بيني وبين نفسي- لفعل الإمام الكسائي رحمه الله في قراءة كلمة (يَطْمِثْهُنَّ) التي وردت مرتين في سورة الرحمن، فإنه رحمه الله كان -في أحد الأوجه المتواترة عنه- يقرأ إحداهما بضم الميم والأخرى بالكسر؛ أي: إذا كسر الميم في واحدة ضمّها في الثانية!.
وكنت أتعجب لمخالفته قراء الأمصار الذين أجمعوا على قراءتها في الموضعين بكسر الميم؛ (يَطْمِثْهُنَّ).. وكنت آخذ برأي الإمام الكبير الطبري رحمه الله الذي يقول عند تفسير اللفظ الكريم في الموضع الثاني من سورة الرحمن: وقرأ قراء الأمصار: (لم يَطْمِثْهُنَّ) بكسر الميم في هذا الموضع وفي الذي قبله، وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى، والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار؛ لأنها اللغة الفصيحة، والكلام المشهور من كلام العرب.
والحقيقة إني لم أعرف علّة فعل الإمام الكسائي رحمه الله إلّا اليوم؛ وذلك مما ذكره الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره للفظ الكريم؛ إذ قال: وقرأ الكسائي إحداهما بالضم، فإن كسر الأولى ضم الثانية، وإن ضم الأولى كسر الثانية؛ لما رواه أبو إسحاق السبيعي قال:
كنت أصلي خلف أصحاب علي رضي الله عنه فأسمعهم يقرأون: (لَمْ يَطْمُثْهُنَّ) بالرفع، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأسمعهم يقرأون بكسر الميم، وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى؛ لئلا يخرج عن هذين الأثرين.
أيضًا قال الإمام القرطبي رحمه الله: وهما لغتان: طمَث وطمُث؛ مثل: يعرِشون ويعكُفون، فمن ضمّ فللجمع بين اللغتين، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة.
رحم الله الإمام الكسائي وألحقنا وإيّاه وإيّاكم في زمرة الصالحين.