الثلاثاء يوليو 2, 2024
بحوث ودراسات

د. زينب عبد العزيز تكتب: في ذكري مئوية البابا شنودة

من أهم ما كشفت عنه أحداث ثورة شباب25 يناير 2011 موقف البابا شنودة غير الأمين بالنسبة لمصر بعامة، وخاصة بالنسبة لشباب أتباعه الذين حرمتهم من المشاركة مع إخوانهم المسلمين، وفرضت عليهم الانفصال وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الشعب، وعزلتهم داخل أسوار الكنيسة التي تحولت إلى دولة مارقة، كما فرضت عليهم مصادرة شرف التعبير عن الرأي من أجل اقتلاع النظام الفاسد، بل والأدهى من ذلك لقد قام بترتيب مظاهرة تأييد ومساندة لمبارك يقودها ويسير فيها العديد قساوسته المتضامنين مع توجهاته أو الخاضعين له. وهو ما كشف عن تواطئه الشديد مع ذلك النظام وفساده، بل وبكاءه الحار على اقتلاعه..

وما هي إلا أيام معدودة حتى ارتفع صوته ليركب الموجة، ويبارك نجاح هذه الثورة، ويطالب في نفس الوقت بكل جبروت بإلغاء المادة الثانية من الدستور!

وهنا لا بد من وقفة، لا لاستعراض كل ما قام شنودة به من محاولات منذ أن تولى مقاليد كنيسة الأقباط في مصر، سنة 1971، والإعلان عن محاربة الإسلام والمسلمين بزعم أن نظام الحكم في مصر إسلامي معادى قائم على اضطهاد الأقباط! ولا يسع المجال هنا للتحدث عن كل ما قام به شنودة من خيانات في حق الوطن، وفى حق المسلمين، بل وفى حق الأقباط الذين ضللهم بكل ما يتجرعونه منه من فريات وأغاليط، وما أكثرها، من قبيل اجتماعاته مع مليشياته في الغرب وترديد أن الأقباط في مصر مضطهدون دينيا من قِبل النظام المصري، والعمل على قلب نظام الحكم في مصر وتغيير دينها والمساس بأمنها بتقسيم البلاد لإقامة دولة دينية قبطية في جنوب مصر؛ أو القيام بتكديس الأسلحة في الأديرة تحسبا لمعركة كان يعد لها؛ أو فضيحة الاتجار بالبشر أو بأطفال الزنا التي فجّرتها السفارة الأمريكية في مصر وتورطت فيها ثلاثة أديرة، في القاهرة وبني سويف ومرسى مطروح، وجميع قياداتها من الأقباط، والتربّح بالملايين من هذا الجُرم، وتفتق ذهن شنودة كالمعتاد بالقيام بتوجيه زبانيته في الإعلام لتبرئة الكنيسة وإلقاء التهمة على المسلمين!..

لا، لن أتناول مطالب شنودة بمنح الأقباط في مصر حكما ذاتيا؛ أو الصمت على إنتاج الكنيسة مسرحية تسخر من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أو تدنى بعض القساوسة إلى أقل درجة الانحطاط والبذاءة في بعض الفضائيات لسب الإسلام ونبيه الكريم؛ ولن أتناول وصف شنودة الشريعة الإسلامية بأنها الأكثر عنصرية في العالم؛ والمطالبة بحذف خانة الديانة من البطاقات الشخصية؛ أو إقامة المؤتمرات وخاصة ذلك المعروف باسم «مؤتمر ضد التمييز» في إبريل 2009، لمكافحة القرآن، والمطالبة بإلغاء تعليم القرآن ومسابقات تحفيظه؛ أو الاستقواء بالفاتيكان، ففي نوفمبر 2007 قام تنظيم مسمى «الأقباط الأحرار» بتقديم طلب للفاتيكان لمساعدتهم من طغيان الحكم في مصر واضطهاده للأقباط مما يضطرهم إلى الهجرة؛ أو أحداث العمرانية الإجرامية التخريبية واستخدامهم الأسلحة والحجارة في ضرب رجال الأمن وتعطيل المرور وضرب مبنى المحافظة والمساس بأمن الشعب المصري بكل ما واكب هذا الإجرام الفاضح من تنازلات استفزازية من جانب الدولة المغلوبة على أمرها آنذاك والسكوت على كل ما قمتم به..

لا، سأترك كل هذا والمئات غيرها من الوقائع المشابهة، لأتوقف عند مطالب البابا شنودة بإلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص بوضوح على «أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»..

وهذا المطلب الوقح لا يثير الفتنة في الدولة فحسب، وإنما يزيد النار اشتعالا في النفوس، في نفوس المسلمين، لكثرة ما قام به النظام الفاسد السابق من تنازلات في حق الإسلام والمسلمين، ترضية لشنودة وللغرب المسيحي المتعصب الذي يستقوي به ويغمره بالمعلومات الكاذبة المغرضة ليقوم بتأييده وتأييد مطالبه.

ولا يسع المجال هنا لتناولها، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى «مجمع أساقفة الشرق الأوسط» في أكتوبر 2010، الذي قام بناء على الطلبات المرفوعة من تلك الأساقفة الكذبة، إلى بابا روما، يشكون له ما يعانون من اضطهاد ويطالبونه بالتدخل هو والهيئات الدولية المسيحية لإنقاذهم!

وهو ما قام به البابا بنديكت 16 عند مطالبته رسميا للبرلمان الأوروبي بالتصرف، وهو يجاهد لإدخال حماية الأقباط والأقليات المسيحية في جدول أعمال ومهام ذلك البرلمان والمؤسسات التابعة له، الأمر الذي يندرج تحت بند التدخل في الشئون الداخلية للدولة! ويا للظلم والجبروت، بل يا للوقاحة التي تعجز الكلمات عن وصفها..

وللعلم ، فإن الدستور المصري حين نص على أن الإسلام دين الدولة لم يقم ببدعة شاذة في الوجود أو في القانون، وإنما ذلك عرف متّبع في العديد من بلدان العالم، فالدستور في اليونان والدانمرك وإسبانيا والسويد على سبيل المثال لا الحصر ينص على أن المسيحية دين تلك الدولة، وفى إنجلترا التي تعيش بلا دستور تنص المادة الثالثة من هذا القانون على أن الشخص الذي يتولى المُلك يجب أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا، بل ولا يسمح لغير المسيحيين ولغير البروتستانت أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات!

والاعتراض هنا لا ينصب على كل هذه المخالفات التي تقوم بها وغيرها فحسب، من قبيل إدعاء ظلم الأقباط في الدولة وحرمانهم من المناصب بينما ثلاثة أرباع الاقتصاد المصري في أيدي أقباط ، وثلاثة أرباع المليارديرات المصريين من الأقباط أيضا ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر بخلاف الرباعي ساويرس، هناك ثروت باسيلي وريمون لكّح ومنير فخري عبد النور وفايز صاروفيم وعماد مينا الخ ـ وفقا لمجلة فوربس،

كما تضخمت أموال الكنيسة وصارت بمئات المليارات في غيبة رقيب أو محاسب من الدولة الغائبة آنذاك، فالكنيسة هي الهيئة الوحيدة في مصر التي لا تتم مراقبة مصروفاتها ولا مواردها من الجهاز المركزي للمحاسبات وتصرفاتها المالية بإشراف ذاتي ولا يجوز لأحد التدخل فيها.. والكنيسة هي التي تتحكم في أوقافها ولا دخل أو رقابة من الدولة ؛

ولن أتناول فضيحة أو فرية حرمان الأقباط من بناء كنائس، في الوقت الذي تم فيه تنصير شكل البلد بحيث لم تعد القاهرة ذات الألف مئذنة؛ وإنما ذات الألف كنيسة وأكثر، علما بأن المسيحية لا تنص على ضرورة الصلاة في كنيسة لأن الكنائس لم تكن موجودة أيام المسيح عليه السلام، والمكتوب هو أن يصلى الأتباع في البيت..

والاعتماد على أن المسيح قال لبطرس «أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستى» (متى 16: 18) اعتماد خاطئ لأن هذه الجملة تعد من الجمل المضافة ومن متناقضات الأناجيل ولا يجوز الاعتماد عليها لأن المسيح قال له في الفقرة التالية مباشرة: «وقال لبطرس اذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس» (متى 16: 23) ، وهو ما يؤكده مرقس قائلا: «فانتهر بطرس قائلا اذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس» (مرقس 8: 33)، مع العلم بأن متّى كان قد أورد قبل ذلك بإصحاحين أن بطرس هذا قليل الإيمان وفقا للمسيح الذي قال له: «يا قليل الإيمان لماذا شككت» (متى 14 : 31).. فكيف يمكن بناء كنيسة اعتمادًا على شخص قليل الإيمان وينهره المسيح ويبعده عنه لأنه معثرة له؟

إن اعتراضي ينصب أساساً على موقف البابا شنودة المتناقض العجيب، فهو كان يقف على الضلال، ويفرضه على حوالي أربعة ملايين من الأتباع بصرامة، وكانوا يعيشون بسلام بين إخوانهم الذين يصل عددهم إلى أكثر من مائة مليون، ويطالب بحذف مادة من دستور الدولة، ذات الأغلبية المسلمة الساحقة، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؟!

ولعل شنودة لم ينس بعد أن هذه المادة تحديدا وهذه الشريعة الإسلامية بالذات هي التي أنقذته حين تحدى قانون الدولة ورفض تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يلزمه بالتصريح بالزواج الثاني للأقباط المطلقين بدعوى مخالفة الإنجيل! ويا للغدر..

والضلال الذي يقف عليه هو المسيحية الحالية، التي لا يعرف عنها المسيح شيئا، والثابت علمياً أن بولس الذي جعل نفسه رسولا، هو أول من ابتدع تحريفها الذي تواصل حتى عهد قريب، حين وعد بابا روما السابق، يوحنا بولس الثاني، وعد اليهود بتعديل 75 جملة من جمل الأناجيل حتى يتمشى مع التحريف الذي قام به مجمع الفاتيكان الثاني وتبرئة اليهود من دم المسيح، وذلك رغم أكثر من مائة جملة في هذه الأناجيل تتهم اليهود بإهانته وتعذيبه وقتله! وهو ما يؤكد أن عملية التلاعب بنصوص الأناجيل مألوفة وممتدة وتتواصل عبر القرون! وللعلم، فقد أثبت معهد ويستار بأمريكا أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع في هذه الأناجيل لم يقلها وأن 86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها.

وما أعترض عليه أيضا في موقف شنودة المتناقض هذا هو انصياعه للفاتيكان وقبوله المشاركة في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام والمسلمين، وقبوله قرار أن تشترك الكنائس المحلية في عملية تنصير العالم، كما قبل فرض مساهمة كافة الأتباع في عملية تنصير العالم لاقتلاع الإسلام والمسلمين.. وهنا لا يسعني إلا أن أقول إن شنودة بقبوله هذا التضامن الوضيع مع الفاتيكان وضع الكنيسة في مصر وكل أتباعها في موقف الخيانة: الخيانة لبلدهم، والخيانة للأغلبية الساحقة التي يعيشون بينها.

وليست هذه بالخيانة الوحيدة التي قام بها شنودة في انصياعه للفاتيكان، فقد أعلن عن التنازلات التي قدمها في العقيدة الأرثوذكسية وأن الخلافات بين الكنيستين قد انتهت تقريبا ولا يبقى إلا خمسة أو ستة بالمائة من المشكلات بينهما.. أي أن الخلافات العقائدية التي امتدت مئات السنين وآلاف القتلى الذين أُوريقت دماؤهم قد ذهبت «سداح مداح» كما يقول المثل المصري.. وأوضح دليل على ذلك: الرضوخ لمطلب الفاتيكان بتوحيد تواريخ عيد الميلاد وعيد الفصح بغية توحيد كافة الكنائس وفقا لكاثوليكية روما وسيادة رئيسها! وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثاني (1965) قد قرره وسعى حثيثا لتنفيذه..

ليت أتباع شنودة، وخاصة خونة المهجر الذين فروا هربا من مصر أيام التأميم والذين كان يستعين بهم شنودة في مؤامراته، وكل من أنشأهم ليكونوا ميليشيات بحارب بها المسلمين، يدركون ما قدمه شنودة من تنازلات في حق دينهم، في حق دين ظل المؤسسة الكنسية تفرضه عليهم بكل صرامة وبلا نقاش، فمن يسأل عن المتناقضات يُعد ملعونا ويُحرم مصحوبا باللعنات!

ليتهم يدركون كل ما وضعهم شنودة فيه من محن ومخاطر باللعب والتلاعب بإصرارك على المساس بالإسلام والسماح بسب الرسول، عليه الصلاة والسلام.. ليته أفاق وتتدارك الأمر وكف عن بث الفرقة بين الشعب المصري الواحد الأصيل الذي لم يعرف الفرقة إلا حين أتى شنودة لتنفيذ مطالب ذلك المجمع الفاتيكاني اللعين وساهم في عملية تنصير العالم، وليته كف عن حقن النفوس والتضليل، وقام بالاعتذار الذي كان يجب عليه تقديمه عند انكشاف خزينة الأسلحة القادمة عند طريق أحد أتباعه من إسرائيل، وفضيحة وفاء قسطنطين، وغيرها من الفضائح والمخازي كثير حقا..

ليته كف عن إشعال الفتن في الوطن الدامي واعتذر للمسلمين وللدولة المسلمة بل واعتذر للشعب المصري الأصيل بكل فئاته، فكم أهان من المسيحيين أيضا..

Please follow and like us:
د. زينب عبد العزيز
أستاذة الأدب الفرنسى وتاريخ الفنون بالجامعات المصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب