د.سامي خاطر يكتب: المرأة الإيرانية بين سندان الشاهنشاهية ومطرقة الملالي (1)
المرأة الإيرانية في الحقبة الشاهنشاهية
كانت حياة المرأة الإيرانية مسيرة من الغبن والإجحاف طيلة حياتها وإلى اليوم؛ حتى في مرحلة ما بعد الثورة الدستورية التي كان من المؤمل أن تُحدث تغييراً حقيقياً في حياة المرأة والمجتمع لما تأتي بحجم الطموح والآمال المعلقة عليها، فقد بدأت المرأة في الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحياة السياسية القائمة على الإكراه والخداع، وفي أفضل الأحوال كانت الخطوات المتبعة من أجل الاستعراض وتعزيز السلطة وليس إيماناً بحقوق المرأة التي كانت مضطهدة حتى داخل قصور الشاهنشاهية ذاتها أثناء وجودها وبعد زوالها،ففي حينه قد بدأ رضا شاه بهلوي يتخذ خطوات يفترض أنها لتحسين وضع المرأة في عام 1933 بعد لقائه بمصطفى كمال في تركيا مُقلدا إياه في مشروع معالجة الإحساس بالنقص أمام الغرب، وقد أمر المؤسسات التعليمة وخاصة جامعة طهران بقبول الطلبة من الفتيات، وفي عام 1934 أمر الشاه بحظر ارتداء الحجاب، بعد ذلك قام بإغلاق المنظمات الخاصة بالمرأة والنشريات النسوية واستبدالها بجمعية للنساء ذات نشاط خيري، وتم تدوين القانون المدني الإيراني، وبموجب هذا القانون الذي لا يزال العمل به مستمر تم تحديد مقدار إرث الأنثى وهو نصف مال الذكر وحُرِمت الأنثى من الإرث في الأرض، ومن هنا بات النضال من أجل العدالة الاجتماعية أمر لابد منه من خلال منظمات تقدمية يكون فيها نضال المرأة والرجل على حد سواء وبمفهوم واحد من المجتمع والمستضعفين، وقد نشأ حراك سياسي واجتماعي كبير ومناهض لسياسات الشاهنشاهية وكانت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية أكبر نتاج لذلك الحراك.
كان قيام منظمة مجاهدي خلق الإيرانية حلا وخلاصاً لمآسي المرأة والمجتمع وكما هو واضحٌ للعيان اليوم فهي أكبر منظمة في العالم تقودها النساء بجدارة ونجاح وإيثار قرابة ستة عقود، وقد كان الإطار النضالي فيها إطاراً تقدمياً لائقا ناضلت فيه المرأة ووجدت نفسها إلى جانب أخيها الرجل تقود وتجده عونا لها منتصراً بنجاحها، ومن نساء الرعيل الأول اللواتي ناضلن في صفوف المنظمة كانت فاطمة أميني التي كانت من أولى النساء اللواتي تعرضن للتعذيب الشديد حتى الشلل والموت في سجون الشاه، وبعد اعتقالها أعلنت عصابات السافاك بأن فاطمة أميني عُثِر عليها ميتة إثر سقوطها وهو ما سيسمح لهم بتعذيبها والتنكيل بها واستُشهِدت تحت التعذيب بتاريخ 16 أغسطس 1975.
كانت فاطمة أميني والكثيرات من المناضلات من نساء المنظمة اللواتي لحقن بها، ونلن الشهادة على يد طاغوت الشاه أو خلفائه الملالي؛ في الرعيل الأول الذي أصبح أيقونةً ورمزاً للنضال الثوري، وقد كن نموذجاً للتضحية والفداء ومنهن على سبيل المثال أشرف رجوي، ونصرت رمضاني، ومليحة أقوامي، وفريبا دشتي، ومعصومه كريميان، ونسترن هدايت فيروز آبادي، وحميده طاعتي إحدى أبطال عمليات الثريا والشمس الساطعة، وزهرا نجاد إيماني، وفاطمة فاضل زادة وأمثالهن من أيقونات النضال والفداء والإيثار كُثر؛ هذا بالإضافة إلى شهادة الكثير من العوائل، وسجن وتعذيب الأحياء المتبقين منها، من أمثال السجينة السياسية المنفية حالياً “مريم أكبري منفرد” التي تناضل من السجن هي وغيرها من السجينات السياسيات الإيرانيات.
نهضة المرأة الإيرانية في حقبة نظام الملالي الفاشي
وعندما جاءت الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 واستولى عليها الملالي وأسموها بالثورة الإسلامية أطاح الملالي بالكثير من الحقوق التي نجحت المرأة في انتزاعها بالجهد والصبر والألم على مدار عشرات السنوات، وظهر نهج متطرف أكثر قوة مما قاومته المرأة الإيرانية قبل الثورة، وهو النهج الذي أوجد لرجال الدين السلطة التي كانوا ينتظرونها لعقودٍ طوال.
ومن المثير للسخرية أن المرأة الإيرانية كان لها دور بارز في قيام الثورة الوطنية حيث نزلت على اختلاف انتماءاتها إلى الشارع جنباً إلى جنب مع الرجل لتطالب برحيل الشاه، ودعمت المرأة الثورة على أمل الحصول على المزيد من الحرية والاستقلالية؛ لكن سرعان ما أدركت أن العكس هو ما يحدث على الأرض، ولا زالت المرأة الإيرانية تحارب من أجل حقوقها.
في بادئ الأمر بعد الثورة مباشرة كانت هناك رؤية داخل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ترى بأن الملالي لا يمكن ائتمانهم على مصير الدولة والشعب ولا يجوز السماح لهم بالانفراد بالعملية السياسية، وذلك استنادا لتجارب الأيام وكيف كان الملالي وعاظاً للسلاطين الطغاة وعوناً لهم، بيد أن استباق الأحداث لم يكن بالأمر الرشيد؛ فثورة فبراير الوطنية الإيرانية التي أطاحت بدكتاتورية الشاه ثورة جميع الإيرانيين بكافة مكوناتهم وتياراتهم السياسية، وكذلك لا يمكن حصرها في جانب واحد أو استبعاد فصيل وطني ومصادرة حقه في الممارسة السياسية الوطنية المشروعة، وقد كان خطاب خميني آنذاك معسولاً منمقا مناوراً ومخادعاً، وكانت وعوده فياضة فضفاضة، وكان على الجميع التريث والسير سياسياً بتأنٍ يحترم دماء وتضحيات الشعب في تلك الثورة والمضي قُدما في بناء أسسٍ رصينة لمرحلة سياسيةٍ تليق بطموحات الشعب في نفس الوقت، وسرعان ما كشر الملالي عن أنيابهم واستبعدوا وصادروا وانفردوا، ولم يكتفوا بذلك بل قرروا اعتبار كل من خالفهم الرأي عدواً واجب إبادته، وقد بدأ الخلاف على أن الحياة السياسية في البلاد حقٌ مُسلمٌ به للجميع، إلا أن خميني أرادها حقٌ محدود ولمن ينطوي تحت طوعه ورأيه ورايته فقط.
بدأ بطش الملالي بخصوم الرأي منذ عام 1980 من خلال ميليشيات إجرامية هي نفسها تلك التي أسسوها في العراق وغيره، وتعاظم البطش بتعاظم المواجهة وكان نصيب منظمة مجاهدي خلق الإيرانية أعظم نصيب من هذا البطش الإبادي إذ اعتبرها خميني العدو الرئيسي له وليس الشيوعية أو الصهيونية أو الغرب وله مقولته المشهورة بهذا الصدد حيث قال إن: “العدو ليس الاتحاد السوفياتي ولا أمريكا ولا إسرائيل وإنما العدو ها هنا قرب مسامعنا”، ثم أسس لمشروع الإبادة الجماعية بقوله “أبيدوهم” وفتوى الحِرابة التي أصدرها بالباطل ولا علاقة لها بالإسلام مطلقاَ إذ لا يمكن تطبيقها كلياً في حياتنا المعاصرة، ولا يمكن لخميني وجنوده وعماله أن يوفرون شروط إقامة حد الحِرابة بأي شكل من الأشكال بحق مهندسين وأطباء ومعلمين وتجار وحرفيين ومحامين ونساء من مجتمعات مدنية متنورة، وكل هؤلاء لا تنطبق عليهم أيٍ من شروط الحرابة لكنها الدوافع السياسية السلطوية، وقد أظهرت تلك الفتاوى مدى جهل ملالي إيران بالدين، كما أظهرت تلك التعليمات الدموية الصريحة مدى وحشية الملالي التي تجلت بوضوح مُعلن وفج في كافة ممارساتهم التي ضيقوا الخناق من خلالها على المجاهدين ( المجاهدين الاسم الذي كرهه واحتقن منه خميني لاتصاله بالحركة الدستورية التاريخية)، وتم استبعاد السيد مسعود رجوي من الترشح في الانتخابات وكذلك المرشحين النيابيين للمنظمة في كل مكان.
وترافق قمع النساء مع نشأة ما أسموها بـ الجمهورية الإسلامية،وحملات تفتيش مستمرة في الشوارع وداخل مقار العمل، والجدير بالذكر أن شعار “إمرأة، حياة، حرية” شعار يرفعه المتظاهرون في إيران منذ بدء الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في منتصف سبتمبر الماضي، لكنه لا يعبر فقط عن واقعة مقتل الشابة مهسا أميني داخل مقر “شرطة الأخلاق”، وإنما عن عقود من تركيز نظام الحكم في البلاد على النساء، فمهسا أميني التي قُتِلت بعمر الـ 22 عاماً ربما كانت جدتها ووالدتها ضحيتين للتضييق الرسمي على النساء الذي بدأ قبل وبعد الثورة على حكم الشاه عام 1979 ليخرج الجيل الثالث والرابع من السيدات الإيرانيات ليطالبن بالحرية. ولم تكن أميني الضحية الأولى التي تلقى حتفها عقاباً على مخالفة قواعد نظام حكم الملالي، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي اعتقلت سيدات كثيرات وتعرضن للضرب وأحياناً حتى الموت في مراكز الاحتجاز، لكن تضييق الدولة على النساء قد اشتدت أكثر في الآونة الأخيرة خوفا من مصير السقوط الحتمي، وقد ركز إبراهيم رئيسي الذي جيئ به من أجل قمع النساء والمجتمع على نشر وسيلة للقمعأسماها بـ “ثقافة العفاف” التي لا يُدرِك رئيسي وكباره ومن أدنى منه معناها الحقيقي، ومنذ يوليو الماضي بدأ مفتشون بزيارة المؤسسات الحكومية للإبلاغ عن أي مخالفة بشأن الحجاب الإجباري الذي فرضته السلطات في مطلع الثمانينيات من القرن الـ 20 وفي حال عدم الالتزام ربما تصل العقوبات إلى الفصل من العمل.
وتخطي التحكم في المجتمع فرض الحجاب على الفتيات إلى اعتباره شرطاً أساسياً لالتحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية أو الحصول على عمل فضلاً عن التضييق على المرأة في مجال العمل والفرص الاقتصادية حيث لا تتجاوز نسبتها في القوى العاملة 15 في المئة بينما نصف عدد الطلاب في الجامعات من الإناث، وكذلك يحظر على المرأة حضور المباريات في الملاعب والكثير من الأنشطة ومجالات الحياة اليومية.
يُتبع
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي