أقلام حرة

د. سامي خاطر يكتب: النظام الإيراني يطلب الاعتراف بشرعيته من معارضيه

دعوة الملالي لمحاكمة منظمة مجاهدي بين البلاهة وشر البلية

ما دليل السكوت على القتل والاغتيال على أراضي دولة مستقلة

الشعب الإيراني وشعوب المنطقة بين بلاهة الملالي وسفاهة تيار الاسترضاء

إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون.. أما أشباه تلك الدواب من البشر فكارثة كبرى وبلاءا كبيرا أعان الله العباد عليه خاصة عندما يتصدر هؤلاء أو تلك الدواب ريادة القوم بالكذب والادعاء والعنف والإكراه، وهذا هو حال النظام الإيراني الذي يطلب الاعتراف بشرعيته من معارضيه؛ ومن السفاهة المفرطة أن يأتي نظاما كنظام الملالي بعد أربعة عقود ونيف سادها ما سادها من التضحيات الجسام ليطالب معارضيه بالمثول أمام قضائه الأبله، وفي مجرد مثولهم أمام قضائه اعترافٌ صريح بشرعية نظامه وأن ما بينهم وبين هذا النظام هو مجرد خلاف عابر قابل للحل بإخضاعهم للمحاسبة عبر قضائه وينتهي الأمر، وهنا يصبح النضال المضني طيلة تلك العقود مجرد عبث، فهل يصلح خطاب البلاهة هذا مع المقاومة الإيرانية الأصيلة عميقة الجذور أم أنه خطابٌ لا يتخطى محيط وجند الملاليالذين دأبوا على هكذا بلاهةٍ وتردي.

لا يمكن اعتبار دعوة الملالي لمحاكمة منظمة مجاهدي سوى أمرا جامعا بين البلاهة وشر البلية؛ فلم نسمع من قبل مثل هذه الدعوة البلهاء المثيرة للسخرية والضحك وكما يقولون شر البلية ما يضحك، ومع ذلك لا يمكن التغافل عما وراء هذا العمل الأبله من مؤامرات تُحاك على يد الملالي وحلفائهم هنا وهناك؛ ففي حينها لم نأخذ العفو الذي أطلقه نظام ولاية الفقيه بنظرة سطحية إذ يبدو أن هناك من يُرشد ويحرك الملالي من الخارج، وكان ذلك واضحا وضوح الشمس عند الاستماع إلى وزير خارجية الملالي في مجلس حقوق الإنسان وهو ينبري مغنياً بدون راقصة عن عفو أسياده وتجميدهم لعصابة دورية الإرشاد التي قتلت ولم تُرشِد؛ وما هي إلا أيام وتكشفت الحقائق واتضح أن كل ذلك لم يكن إلا وسيلة لتهدئة حدة الضغوط الواقعة على النظام محلياً وعالمياً، وبعدها عاد النظام إلى دأبه كدأب آل فرعون.

إن دليل السكوت على القتل والاغتيال على أراضي دولة مستقلة دون محاسبة هو القبول بما حدث وسيحدث وما قد يحدث ويُتفق عليه في الظلام خارج الأُطر، فما قبل به الغرب من عمليات قتل واغتيال وإرهاب من قبل نظام الملالي على أراضيه دليل تواطؤٍ مدفوع الثمن، وكذلك القبول بما جرى في العراق في ظل حكم سلطة الاحتلال والإدارة الدولية للعراق حيث قام نظام الملالي بحصار جائر وحملات إبادة ضد سكان أشرف وليبرتي وهم محميون دوليا بموجب إتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك بموجب اتفاق موقع بين الإدارة الدولية والولايات المتحدة الأمريكية من جهة والسلطات العراقية الموالية للملالي من جهة أخرى، ومن سكت عن ذلك كله فيما مضى لا يُستبعد سكوته عمّا قد يحدث من مؤامرات يتم التواطؤ عليها مع الملالي والأحداث دلائل وشواهد.

المثير للألم والاستهجان هو ما تدفعه شعوب ودول المنطقة والشعب الإيراني من ضريبة لوقوعهم بين بلاهة الملالي والسفاهة التي رضي تيار الاسترضاء أن يكون عليها بسبب علاقته المُدانة مع ملالي طهران الذين أهلكوا العباد وعاثوا في الأرض الفساد، والدليل على ذلك هو أنه عندما أُعِد وعاد خميني إلى طهران؛ ما عاد ليكون حاكما يخلف الشاه فحسب بل عاد حاكما يحمل مشروعا ذا مضمون ديني وثقافي وسياسي.. من أجل تحقيق أهداف متعددة تخدم مصالح الغرب،ومن أبرز ملامح هذا المشروع هو أن قيادته الدينية التي تمثلت في “نظام ملالي إيران” قامت بتسخير كل إمكانيات دولة إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والبشرية والإعلامية من أجل تحقيق هذا المشروع الذي جعل أول أهدافه نشر فكره المتطرف وتحويل هذه الأمة إلى تدين بما ينشره من زيف وتشويه للدين الإسلامي  وعقيدته السمحاء، وبالتالي تواصلت إيران الملالي مع بعض الجماعات المؤهلة لحمل فكرها وتبني نهجها في بعض البلدان العربية والإسلامية، وقامت بإمدادها بالدعم المالي والإعلام والتوجيه والخبرات ودعاة ومنظرو فكرها وحرضتهم على تبني نهج طائفي يشق صفوف وحدة الأمة وهو ما ولد تصادما بين طرفين كبيرين من الأمة في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، وقد أدى ذلك إلى الاقتتال وإسالة الدماء في بعض الأماكن كما حدث في العراق وسوريا واليمن مع أن الأمة أحوج ما تكون إلى الوحدة لمواجهة الخطر الأكبر الذي يقوده المشروع الغربي الصهيوني، وقد أحدث نظام الملالي من خلال نهجه العنصري الطائفي فتنًا ومشاكل مريبة في دول كالعراق والبحرين ولبنان ومصر ودول المغرب العربي، وسخر نظام الملالي القضية الفلسطينية فأقاموا علاقات مع معظم الفصائل الفلسطينية وأمدوها بالمال والسلاح من أجل أن يكون لهم يد في القضية الفلسطينية تطبيقا لكلمته حيث قال كبيرهم: «إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينية فلا قيمة لسياستنا الخارجية» ذلك لأنهم يعتقدون أن هذه اليد في القضية الفلسطينية ستكون مدخلا لتجميل «مشروع ملالي إيران» من جهة، ومن جهة ثانية مدخلا لقلوب المسلمين من أجل «نشر فكر الملالي الذي لا يمت للمذهب الجعفري بصلة».

في لبنان عمد «ملالي إيران» على تفتيت الطائفة الشيعية والقضاء روحهم الوطنية العروبية وأنشأوا حزب الله عام 1982 ودعموه بالمال والسلاح والتوجيه والخبرات، وقد استطاع حزب الله أن يكون بعد ثلاثين سنة دولة داخل الدولة لا بل دولة أقوى من الدولة اللبنانية مختطفا كل لبنان،وفي سوريا دعم «ملالي إيران» حافظ الأسد، وألحقوا الطائفة العلوية النصيرية بالطائفة الشيعية وسيدوا أقلية ضئيلة على أغلبية كبيرة وخلقوا الفُرقة بين أبناء المجتمع السوري المُنهك مع أن هذا مناقض لأصول مذهبهم، ثم دعموا نظام بشار في وجه الثورة السورية التي قامت عام 2011، ولولا دعمهم لسقط نظام بشار، وقد سمح لهم حافظ الأسد وابنه بشار بنشر فكرهم السلطوي التوسعي تحت رداء المذهب الشيعي الجعفري البريء منهم ومن أعمالهم.

في العراق وضع «ملالي إيران» أعينهم عليه منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة الوطنية الإيرانية وسرقة الملالي وذلك لمكانة «المقدسات الدينية» وكذلك لأن فيها أكبر «طائفة شيعية جعفرية» في العالم العربي ، وقد قامت حربا ضروس بين نظام «ملالي طهران» والعراق استمرت ثماني سنوات دمرت البلدين،وفي تلك الحرب تعاون «ملالي إيران» مع أمريكا وإسرائيل في محطات عدة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأبرز الفضائح التي أشارت إلى ذلك فضيحة إيران-غيت التي وقعت عام 1985، ثم تعاون «ملالي إيران» مع أمريكا أثناء حرب التحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1991، وتعاونوا مع أمريكا مرة أخرى أثناء احتلالها العراق عام 2003، ودفعوا بكل ما أسموهم بقيادات الشيعة الدينية والسياسية وما هم سوى مجندين تابعين بإخلاص لنظام ولاية الفقيه من أجل إنجاح هذا الاحتلال.

في اليمن دعم «ملالي إيران» الحوثيين بالمال والسلاح والخبرات، وخاض الحوثيون حروبا عدة مع الجيش اليمني عندما كان علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية، ثم التف الحوثيون على الاتفاق الدولي الذي رسمته «المبادرة الخليجية المعدلة» واحتلوا صنعاء في 21/9/2014، وها هم الآن يعيدون تكرار ما فعله حزب الله في لبنان في محاولة لاختطاف اليمن وتشكيل دولة لهم داخل الدولة، وما حدث وتم السكوت عليه في تلك الدول أمرٌ يستوجب الإدانة ويدعو إلى عدم الوثوق في أي مواقف دولية، فالمشروع الغربي هو المشروع الفاعل والمؤثر في المنطقة منذ قرن ونصف، وهو مشروع لا يتعارض مع «مشروع ملالي إيران» بل يلتقي معه في عدة محاور أهمها محوران اثنان وهما الأول: تفتيت الوحدة الثقافية، والثاني صنع حالة من الفرقة السياسية.

ضرورة التصدي لنظام الملالي

لم يكن هناك نظام سلطوي شغل بلدان المنطقة والعالم بالکثير من الكوارث والأزمات كما فعل ولا يزال يفعل نظام الملالي في إيران، وتتجلى كوارث وأزمات هذا النظام أكثر وبوضوح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحال هذه المناطق في غنىً تام عن هذه الأزمات،لعل أكثر أمر يثير القلق في هذا النظام ويجعل منه مصدر تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم هو إنه يركزأنشطته وبصورة ملفتة للنظر في خارج حدوده، والأهم من ذلك إنه يعتبر ذلك مسألة مبدأية وأساسية لا يمكن التراجع عنها زعم منه أنه يسعى بذلك للإصلاح في حين أنه أهلك الحرث والنسل في إيران وفقد كامل الشرعية داخل وخارج إيران، والجدير بالذكر أن هناك ثلاثة مواد أساسية في دستور نظام الملالي يُشرعن نشاطاته الخارجية المثيرة للقلق ولاسيما المادة 154 التي تؤكد ذلك بصورة واضحة وجلية وقد جاء في هذه المادة:” جمهورية إيران الإسلامية تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله مثلها الأعلى، وتعتبر الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقا لجميع شعوب العالم، وعليه فإنها أي ما تسمى بـ«الجمهورية الإسلامية» تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم”، والأنكى من ذلك هو أن النظام الإيراني يبرر تدخلاته في العراق ولبنان واليمن وسوريا على إنها تدخلات من أجل مصلحة هذه الشعوب والعكس صحيح، إذ أن هذه التدخلات لا تخدم سوى مصالح ومخططات النظام الإيراني في الدول المذكورة فضلاً عن أن هذه التدخلات تجري على حساب الشعب الإيراني وأجياله القادمة.

يسطع نجم المقاومة الإيرانية ونهضة الشعب الإيراني اليوم أكثر من أي يوم مضى ويخفت ويتضاءل دور النظام داخليا ويتملكه ويترسخ في أوصاله الخوف مع تصاعد نهضة المرأة وثورتها ضد النظام وعدم اعترافها به وبمؤسساته وبوجوده مما دفع النظام إلى خطوات بلهاء وإن أضرت بالمقاومة الإيرانية في موضع عززت قوتها وشرعيتها في مائة موضع، وما طلبه اليوم بمحاكمة منظمة مجاهدي إلا دليل حماقة وبلاهة وإفلاس خاصة بعد فشل مؤامراته الأخيرة في فرنسا وألبانيا.. وكالعادة لن تفلح أي من مؤامراته قانونياً وقضائياً إلا بالفساد والإفساد الذي دأب عليه، ولن يكون نصيبه سوى الخسران هو ومن يهادنه ويتعاون معه.

د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي

د. سامي خاطر

أكاديمي وأستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى