أقلام حرة

د. سامي خاطر يكتب دور الطلاب والأكاديميين في الانتفاضة الإيرانية (1)

لطالما كان الطلاب في حالة ثورة وهياج في الانتفاضة الوطنية الإيرانية التي اندلعت في شهر سبتمبر من العام الماضي ولعبوا دورهم المنشود في استمرارها والترويج لها، ولطالما كانت الجامعة في إيران معقلاً للحرية ومهداً لليبرالية؛ نظراً لوجود الطبقات المستنيرة والمتعلمة فيها، ولهذا السبب كان نظام الملالي مخاصماً وعدواً للجامعة منذ البداية، والشاهد على ذلك نجد أن خميني كان يعتبر الأكاديميين متغربين وخاضعين لتلقين الغرب والإمبريالية، وقد خاطب الجامعات بمناسبة العيد في عام 1980 قائلاً: «كل ما يحدث لهذا البلد من مصائب من تحت رأس الجامعات» وبعد ذلك قام نظام الملالي تحت مسمى «الثورة الثقافية» بسفك الدماء في الجامعات اعتباراً من منتصف عام 1980، وبادر في 5 يونيو 1980 بإغلاق الجامعات لمدة 3 سنوات، وقُتل خلال الثورة الثقافية 17 طالباً وأصيب أكثر من 2000 طالب، وتم اعتقال العديد من الطلاب والأكاديميين وزُج بهم في السجون كما تم إعدام بعضهم.

بادر ما يسمى بـ مجلس الثورة الثقافية في نظام الملالي بتصفية الأساتذة تنفيذاً لمرسوم خميني، وتم فصل العديد من الأساتذة وغيرهم من الفئات الأكاديمية أو إجبارهم على ترك العمل في الجامعات، وأنشأ المجلس المزعوم في غضون هذه السنوات الثلاث أجهزةً للحصول على المعلومات ومراقبة المعتقدات، والعمل بأفضل الأساليب التي تراها في التعامل مع الجامعات والتعليم العالي حتى يتسنى لها السيطرة على الجامعات. ببأفضل وطرق

والحقيقة هي أن الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران تخشى بشدة هذا التطور في الجامعات؛ لذلك تحاول هذه الدكتاتورية الفاشية قمع الطلاب المحتجين بشتى الطرق بدءا من تهديدهم واعتقالهم وصولاً إلى مهاجمة الجامعات وحتى مهاجع الطلاب وضربهم حتى الموت، ولقد قمع نظام الملالي الانتفاضة بشدة، وتجدر الإشارة إلى أن خميني كان معادياً للجامعة منذ بداية حكمة حيث أطلق ما اسماه بـ الثورة الثقافية في السنة الأولى من حكمه وتهدف إلى قمع الطلاب والأساتذة التقدميين والديمقراطيين وخاصة أنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في الجامعات، وأغلق الملالي الفاشيين الجامعات لمدة 3 سنوات، واستخدموا كل قوتهم لتحييد الجامعات بعد قبول 40 في المائة من طلاب الجامعات من قوات البسيج،ويسعى خامنئي إلى وضع حد للتمرد والعصيان من خلال فرض حكمٍ عسكريٍ مستعيناً بقوات حرس نظامه وغيرها من القوات المسلحة الخاضعة لقيادته، وعملائه القمعيين المعروفين كما «الشبيحة»، بيد أن الانتفاضة لم ولن تتوقف وتتراجع فضلاً عن أنها تطورت بشكل كامل في كل الاتجاهات، بما في ذلك أساليب وتكتيكات التجمع، والدعوات، ونوع الشعارات المناهضة لنظام ولاية الفقيه.    

لدى الطلاب والجامعة خلفية تاريخية رائعة في انتفاضات تحرير الشعب الإيراني وهو ما دفع إلى وصف الجامعات بـ«معاقل التحرير»؛ إذ كان للطلاب دور رائع ومنقطع النظير في تأجيج الانتفاضة الوطنية، واستعادت الجامعات دورها الإرشادي مرة أخرى، وتواصل مهمتها التاريخية من أجل تحرير الشعب مهما كان الثمن.     

دور الطلاب

يُذكر خلال الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني، والتي بدأت عام 2022أن الطلاب لعبوا دوراً رائداً في هذه الانتفاضة، كما دافع العديد من الأساتذة أيضاً عن الطلاب ودعموهم، ودافعوا أيضاً عن انتفاضة الشعب الإيراني ضد القمع الوحشي الذي يمارسه عناصر النظام القمعيين،ولذلك يعتزم نظام الملالي جعل أجواء الجامعات أكثر أمنا من خلال طرد الأساتذة المنتقدين للنظام من أجل منع المزيد من الانتفاضات الطلابية،وقد نُشرت مؤخرا وثيقة أظهرت أن رئيس جمهورية نظام الملالي إبراهيم رئيسي قد أمر بضم 15 ألف عضو إلى الجامعات، وبالإضافة إلى ذلك ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية قام نظام الملالي أيضاً بإحضار مرتزقته في الحشد الشعبي العراقي تحت مسمى الطلاب إلى جامعة طهران من أجل قمع انتفاضة طلابية محتملة، ومنعت لجنة المخابرات والأمن برئاسة قائد قوات حرس نظام الملالي أكثر من 2843 طالب من دخول الجامعة، وقد جاء دور الطلاب على النحو التالي:

– طالب الطلاب في معظم الجامعات في طهران وغيرها من المدن الإيرانية بإسقاط نظام الملالي في مظاهراتهم اليومية المستمرة، ومن أشهرها شعارات الأكاديميين في مختلف الجامعات، ومن بينها شعار «الموت للظالم سواء كان الشاه أو خامنئي» وفيه ندد الطلاب باسم الشعب الايراني بدكتاتوريتي الشاه وخامنئي.

– احتجت الرابطة الإسلامية لطلبة جامعة شريف للتكنولوجيا على إقالة علي شريفي زراتشي، وعلى الإجراءات الأمنية المشددة، وصرَّحت بأن الجامعة تعيش تحت حصار الأجهزة الأمنية، وحذرت من أن فصل الأساتذة غير المنحازين للحكومة من الجامعات والمواجهات الأمنية المتبعة من قبل الحكومة مع الطلاب لن تسفر عن “يأس وإحباط المجتمع الجامعي” فحسب بل إن ذلك سيؤدي أيضاً إلى هجرة المزيد من صفوة المجتمع من إيران كل يوم.

– احتجت النقابة المهنية للأساتذة الجامعيين على فصل الأساتذة.

– تحمل الطلاب لضغوط أمنية مكثفة عشية الذكرى السنوية للاحتجاجات وإعادة فتح الجامعات، حيث استدعت المؤسسات الأمنية عدداً من طلاب الجامعات الإيرانية ومن بينها جامعة «تربيت مدرس.. أي جامعة إعداد المدرسين» عشية الذكرى الأولى لمقتل مهسا أميني وانطلاق انتفاضة «المرأة، الحياة، الحرية»، وذلك بعد استدعاء معتقلي الانتفاضة الشعبية ضد النظام الإيراني لأخذ تعهد عليهم بعدم المشاركة في الاحتجاجات. وأشارت مجالس اتحاد الطلاب في البلاد إلى استدعاء ما لا يقل عن 12 طالباً من جامعة «تربيت مدرس» للمخابرات،وذكرت المجالس النقابية لطلبة البلاد أن هذه الاستدعاءات تأتي عشية ذكرى مقتل جينا (مهسا) أميني و«خوف نظام الملالي القمعي من الاحتجاجات الطلابية، ولإثارة الرعب بين الطلاب»، والجدير بالذكر أن المؤسسات الأمنية لجأت إلى هذا التكتيك مراراً وتكراراً كما حدث في العام الماضي واستدعت العديد من الطلاب وهددتهم وأجبرتهم في النهاية على توقيع تعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات.

– استدعت قوات المخابرات والأمن التابعة لنظام الملالي عشرات الطلاب من جامعات أميركبير، والعلامة وخواجه نصير، وتربيت مدرس، وفردوسي بمشهد وأصفهان، وطلاب جامعات طهران، وزابل، وسنندج، وأصفهان، والأهواز، وكرمان، وأرومية، وكاشان، وأردبيل، وسمنان، وطلبوا منهم تقديم تعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات، وتم استدعاء هؤلاء الطلاب إلى «مكتب متابعة وزارة المخابرات» وكذلك مكتب نيايش القانوني للمتابعة الواقع بالقرب من نادي ثورة طهران، وتم استدعاء 2843 طالباً في مختلف جامعات البلاد إلى لجنة التأديب في هذه الجامعات.

– تم خلال الشهرين الماضيين فصل 59 طالب من طلاب مختلف الجامعات، وحرمان 104 طلاب من فصل إلى أربعة فصول دراسية، وحرمان مئات الطلاب من دخول المدن الجامعية.

– تسعى عصابة رئيسي بعد التطهير الكبير للأساتذة إلى تغيير شروط قبول الطلاب في الجامعة ليكون مرهوناً بالكفاءات السياسية – الدينية.

– يسعى نظام الملالي إلى السيطرة على الجامعات من خلال التطهير وفصل الأساتذة والطلاب المحتجين انتقاماً منهم وذلك لمشاركة المجتمع الجامعي في الاحتجاجات.

– تم فصل العشرات من أساتذة الجامعات أو إيقافهم عن العمل منذ تولي رئيسي منصبه كرئيس لجمهورية الملالي؛ بيد أن وتيرة فصل الأساتذة تسارعت في الأشهر الأخيرة، وكان قد تم قطع رواتب بعض هؤلاء الأساتذة لعدة أشهر أو أنهم كانوا قد انقطعوا عن العمل بأنفسهم، وتسلّموا القرار النهائي بالفصلفي الوقت الراهن، وقدَّم بعضهم استقالته خطياً واستقال البعض بالاتصال هاتفياً. (موقع «تجارت نيوز» الحكومي – 28 أغسطس 2023).

– والجدير بالذكر أن الجامعات كانت واحدة من المراكز الرئيسية للاحتجاجات والتجمعات إبّان الحركة الوطنية التي شهدتها البلاد العام الماضي، وتم حتى الآن اعتقال عدد كبير من الطلاب الجامعيين وأساتذة الجامعة، واستدعائهم ومنعهم من دخول الجامعة وإيقافهم عن العمل وفصلهم من العمل،وتسارعت وتيرة فصل الأساتذة خلال شهر أغسطسإذ تم فصل الأساتذة المنتقدين الذين دعَّموا الطلاب المحتجين أو شاركوا في الاحتجاجات الوطنية، وقد تم فصلهم بذرائع مختلفة من بينها التقاعد والكفاءة العلمية، كما نجد من بين الأساتذة المفصولين عدداً كبيراً من الأساتذة الإناث.

يُتبع حتى الجزء الثالث…

د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي

د. سامي خاطر

أكاديمي وأستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى