د. سامي خاطر يكتب: لم تحميهم ولن تنقذهم مليارات الدولارات؛ الملالي راحلون

قد يُصبح المرء لصاً أو مجرماً ولكن تأبى نفسه أن يكون لئيماً خسيس الطباع لا يردعه شيئاً في الوجود لا دين ولا قيم ولا أعراف ولا شيم ذلك لأنه حرٌ أبي وما إن زالت الأسباب عاد إلى طبعه؛ ومع كونه أصبح لصاً أو مجرماً لسبب ما إلا أن نفسه لا تُبيح له المساس بحقوق الأبرياء أموالهم وأعراضهم وأرواحهم وخاصة الأطفال والنساء منهم، وقد سعى الملالي منذ الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 إلى ترسيخ حكمهم بالحديد والنار طيلة عدة عقود ووصل بهم الأمر إلى المساس بالأعراض والكرامة والمقدرات والأرزاق والأرواح والعقائد، وأوقعوا البلاد في العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وما انتفاضة 2022 إلا انتفاضة كرامة،والتزم الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة بدعمهم كخلفاء لهم في المنطقة بعد الشاه الطاغية وفعلوا بالمنطقة لصالح الغرب ما لم يفعله الشاه في حينه.

ماذا فعل النظام الإيراني في المنطقة لصالح الغرب

على الرغم من الإدعاء الكاذب لنظام الملالي على أنه خصماً رئيسياً للغرب، وسعى الملالي والغرب إلى إخفاء حقيقة المصاهرة بينهم إلا أن الحقيقة لابد وأن تظهر حتى وإن طال غيابها وقد فضحت الأحداث التي جرت منذ ثمانينيات القرن الميلادي الماضي حقيقة تلك المصاهرة وزادتها وضوحاً الأحداث التي سادت العالم كحرب أوكرانيا ومهزلة البرنامج النووي وحرب الإبادة في غزة وما يتعلق بها، وفي الواقع لقد فعل الملالي ما لم يفعله الشاه الطاغية بالمنطقة لصالح الغرب، ونلخص الأمر على النحو الآتي:

أولاً: خطط الملالي للهيمنة على المنطقة برمتها معولاً على أوهامه فعمد إلى احتلال العراق بالثمانينيات من القرن الميلادي الماضي كمدخل هامٍ واستراتيجي لتنفيذ مخططاتهم التوسعية التي ستجعلهم بحسب ظنهم قطباً إقليمياً قابلاً للتمدد، ورقماً عالمياً ويصبحون شركاء فعليين في العلن لشركائهم الغربيين؛ لكنهم أي الملالي انكسروا في حربهم العدوانية ضد العراق وتجرعوا كأس السم كما قالها معلمهم المُلا الأكبر؛ لكنهم على صعيد آخر قد تمكنوا خلال حرب السنوات الثمانية ضد العراق من تنفيذ مخططات الغرب وهي كشف القدرات العسكرية للعراق وهدمها واستنزاف مقدراته فالحرب في كل الأحوال خسارة فادحة للطرفين المهزوم والمنتصر، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار مع العراق إلا أن الملالي استمروا في عدوانهم وعدائهم ضد العراق إلى اليوم بحسب خبراء عراقيين.

ثانياً: بعدما تسلم العراق على طبق من ذهب من قبل الأمريكان عمل نظام الملالي على إضعاف الاستقرار في المنطقة فتدخل في شؤون الدول العربية سوريا واليمن بعد أن أصبح العراق ولبنان تحت هيمنته الكاملة، وقد أدى إلى تفاقم الأزمات في هذه الدول وهو ما أدى بدوره تلقائياً إلى زيادة نفوذ الغرب في المنطقة من خلال توفر الأسباب التي تستدعي تدخل الدول الغربية بحجة وقف الصراعات التي نشبت وفق السيناريوهات بسبب تدخل إيران.

ثالثاً:أنهك نظام الملالي الدول العربية بما صنعه من أزمات وحروب ودعم للإرهاب والميليشيات المسلحة وترويج للمخدرات ما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة للعرب، وقد أدى هذا بدوره إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في بعض الدول العربية مما تسبب في إضعاف موقفها أمام الغرب وتعرضها لإملاءاته الفجة.

وفيما يلي بعض الأمثلة المحددة على كيفية مساهمة النظام الإيراني في المنطقة لصالح الغرب:

• دعم الملالي في إيران لنظام الأسد في سوريا الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب السورية الداخلية مما أدى إلى تحول سوريا إلى حُطام،وزيادة نفوذ الغرب والملالي معاً في سوريا.

• دعم النظام الإيراني للميليشيات الشيعية المُنفلتة في العراق ما أدى إلى زعزعة استقرار العراق ودمار هو زيادة نفوذ الولايات المتحدة في العراق.

• دعم النظام الإيراني للحوثيين في اليمن الذي أدى إلى تفاقم الحرب الأهلية اليمنية وزعزعة استقرار المنطقة.

وجهة نظر:

من خلال قراءة موجزة متواضعة لتفاصيل الأحداث يتضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن نظام الملالي في إيران قد فعل ما لم يفعله الشاه الطاغية بالمنطقة لصالح الغرب على الرغم من الإدعاء الكاذب لهذا النظام على أنه خصماً رئيسياً للغرب، وما قام بهمن تدخل إيران في شؤون الدول العربية ودعمه للأنشطة الإرهابية والميليشيات المسلحة فيها يثبت بالدليل القاطع خسة طبع القائمين على هذا النظام ورداءة أنفسهم ناهيك عن أفعالهم المُشينة بحق الشعب الإيراني طيلة أربعة عقود ونصف مس فيها بالأرواح والأعراض والعقائد ولا تملك الناس أعز ولا أكثر قدسية من أعراضها، وما يجب التأكيد عليه اليوم بما لا يقبل الشك هو أن نظام الملالي لا زال يسعى ويتمدد من أجل تحقيق أهدافه الإقليمية وقد عزز موقف الغرب بالمنطقة وجعلها مسرحاً للصراعات بين الشرق والغرب عندما مكن الصين وروسيا من المنطقة التي اعتقد الأمريكان بأنها حِكراً عليهم؛ الإيجابي في الأمر أن مصير منطقة الشرق الأوسط لم يعد الآن متعلقاً بهذا النظام وشركائه الغربيين بعد الآن بل بات مرهوناً بنجاح الثورة الإيرانية المشتعلة وهي أمل شعوب المنطقة في الخلاص والاستقرار، وقد نشهد مهلك نظام ولاية الفقيه عما قريب على يد الشعب الإيراني.

التحديات التي يواجهها النظام الإيراني

على مدى عقود، ضخ ولي الفقيه مئات مليارات الدولارات في نظامه من أجل الحفاظ على بقائه لكن كل ذلك  المال لن يمنع النظام من الانهيار فها هو يتآكل من الداخل وتحولات مكونات النظام إلى آفات تأكل بعضها وتستخف ببعضها البعض منقسمة على بعضها البعض ولولا الامتيازات والمصالح المادية التي تربطهم ببعضهم لهرب إبليس خجلاً مما يفعلون وسيفعلونه ببعضهم.

واليوم وعلى الرغم من تلقي النظام دعماً كبيراً من قبل حلفائه إلا أنه لا يزال يواجه العديد من التحديات التي التي ستؤدي حتما إلى انهياره، فمع تعاظم قدرات مؤسسات الملالي الأمنية والعسكرية القمعية إلا أنهم فشلوا في حماية نظامهم بعد زق مليارات الدولارات في كيانه وكيانه مرتزقته وأذرعه التي يتنفس من خلالها.

من بين هذه التحديات:

المعارضة الوطنية الإيرانية:

يواجه نظام ولاية الفقيه معارضة وطنية قوية منظمة ومؤهلة كالمجلس الوطني للمقاومة ومنظمته المحورية منظمة مجاهدي وهي قوى وطنية أصيلة متجذرة داخل إيران وله تأثير كبير في أوساط الشعب والثوار، كما أن وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق داخل إيران تُعد عامل قلق ورعب شديد لدى النظام وتُربكه وتستنزف قواه، وقد سعى الملالي طيلة حكمهم للقضاء على هذه المعارضة الوطنية ولم يُفلح ولا يزال يسعى بمساعدة تيار الاسترضاء والمهادنة في الغرب ولم ولن يُفلح.

الأزمة الاقتصادية:

يعاني الاقتصاد الإيراني من مشاكل عميقة متجذرة بسبب الفساد الإداري وعدم نزاهة اليد وتعاظم الإنفاق العسكري والإسراف والسلب والنهب تحت عناوين التسليح والبرنامج النووي وقد أدى إلى ارتفاع معدل التضخم وانخفاض مستوى المعيشة إلى أدنى مستوىً مما أخل بالتوازن الاجتماعي وحتى النفسي لدى المجتمع؛ ولذلك ردة فعل عنيفة ضد النظام ستتضح عواقبها أكثر بالمرحلة المقبلة.

فقدان الثقة بنظام الملالي:

فقد نظام الملالي الثقة على الصعيد الدولي بعيدا عن الغرب الذي لا يرى فيه سوى أداة لتنفيذ مخططاته؛ واليوم باتت هذه الأداة بوضع غير موائم للمرحلة بالنظر للمستجدات الحاصلة وعاجلاً أم آجلا سيلقي الغرب بهذه الأداة أرضاً كما فعلها مع الشاه من قبل ويحاول الغرب منذ سنين إيجاد قوى خاضعة بديلة للملالي ولم يتوفق في ذلك؛ إذ جرب طرح ابن الشاه المخلوع كـ بالون اختبار وفوجئ بالرفض والاشمئزاز منه، وبالتالي إن لم يتخلص الشعب من الملالي فسوف يتخلص منه شركائه مهما طال الأمد بعد انكشاف جميع خيوط المؤامرات والتواطؤات.

عدم جدوى الدعم المالي والسياسي الغربي المقدم للملالي

بسم الله الرحمن الرحيم .. قال من يُحيي العظام وهي رميم.. قل يُحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم؛ أيها الغرب الخاطئ لا يُحيي الموتى إلا الله ولا تُعيد المُحتضر إلى الحياة سوى معجزة من الله تشمل الصالحين ولستم أنتم والملالي على قوائم الصالحين وإنما المستضعفون والمظلومون والفقراء والجياع هم اللذين على قوائم رحمة الله،ولن يجدي نفعا ما تفعلونه لإبقاء نظام ولاية الفقيه على سدة الحكم في إيران فأموال الكون لن تُبقي الملالي في السلطة بعدما نزيف دماء الشعب والمساس بكرامة أبنائه وبناته بدعمكم؛ وستذهب جهودكم أدراج الرياح بل وستتعاظم خسائركم بتعاظم كراهية الشعوب لما تقوم به حكومات الغرب والشعوب بريئة مما تفعل تلك الحكومات، وعدا ذلك كله فقد انتهى العمر الإفتراضي للملالي ولم يُعد لهم قبولا داخل إيران وخارجها، وهذا يعني أنه لا جدوى من دعمكم المالي والسياسي للملالي وتجويعكم ومحاولات تركيعكم للشعب الإيراني فالعقوبات المفروضة مفروضة على الشعب وليس على الملالي الذين تعاقبونهم بيمينكم وتضخون الأموال إليهم بيساركم.. قُضي الأمر.

الخاتمة:

القصة وما فيها هي أن الملالي استلموا السلطة في إيران بدعم أمريكي وغربي ليكونوا خلفاء ينطبق عليهم المثل القائل أنجب الملعون ك..اً فكان أتعس من أباه، وكانت مهمتهم خداع وإذلال الشعب الإيراني ليتقبل بأن مصالح الغرب كأمر واقع، وإنهاك وإهلاك العرب وخاصة العراق ورفع شعارات القضية الفلسطينية والعداء لأمريكا والغرب تمويهاً وخداعاً فلما انكسروا أمام العراق أيقظوا اللؤم في دمائهم ترافقه خسة الطباع وبدأوا يكيدون كيدهم، ولما كَسر العرب العراق ودخله الغرب غُزاةً غير فاتحين تحت مظلة مجلس الأمن كان الملالي شركائهم وداعميهم على الرغم من العهود التي كانت بينهم وبين العراق بعد اتفاقية وقف إطلاق النار، وكانت مكافأتهم تسليم العراق لهم كهدية على طبق من ذهب، وبعد أن نالوا من العراق بات من السهل أمامهم تحقيق «الحلم القديم» حلم الهيمنة على المنطقة من خلال العراق،وقد كان كسر العرب للعراق بداية انكسارهم وذلهم وترديهم وانفراط عقدهم؛ وهذا هو الحال، ولولا انشغال الملالي في أزماتهم الداخلية وبقاء الحرب في سوريا إلى اليوم لكانت دول مجلس التعاون الخليجي في أيديهم اليوم بعد أن استتب لهم الأمر في اليمن،وكل ذلك خدمةً لأجندة الغرب.

شق الملالي الصف الفلسطيني لصالح أعدائهم، وها هي ذا كربلاء في أيديهم منذ عشرين عاماً لكن القدس لم تتحرر بحسب ما قاله كبيرهم الذي علمهم السحر بمقولته الشهيرة (طريق تحرير القدس يمر عبر كربلاء)؛ عشرون عاماً وكربلاء في أيديهم ولم تتحرر القدس لكن أمل قيام الدولة الفلسطينية بات قريباً من التلاشي بعد أن دعم الملالي حماس للتهور بعملٍ قضى على قطاع غزة وتسبب في مأساتها الإنسانية التي جعلت منها أطلالاً مرعبة ووفرت الأسباب لتتكالب جيوش الغرب على المنطقة كلها من أجل القضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية.

ومع زيادة طغيان الملالي داخل إيران تتعاظم انتفاضة الشعب الإيراني، وسيتم سحلهم في الشوارع مع صور تذكارية تكون عبرة تاريخية للقاصي والداني، وستثبت لهم الأيام أن كل هذا الدعم الغربي الدفين لهم وكل هذه المليارات الأمريكية وعشرات مليارات الدولارات الناتجة عن تجارة المخدرات لن تحميهم ولن تنقذهم أمام غضب الجماهير وكراهية كل شعوب المنطقة لهم هم وأمثالهم، ولو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم.. قُضي الأمر.

د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي

د. سامي خاطر

أكاديمي وأستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights