د. سامي عامري يكتب: تجميل الدمامة.. العالمانية، مرّة أخرى!
![](https://alomah.net/wp-content/uploads/2024/02/د.-سامي-عامري1.jpg)
كَرِّر الأكذوبة حتى يصدّقك الناس! مرّة على لسان “التنويري!” الجابري، وفي أخرى في خطب “التنويري” عدنان إبراهيم، وهنا من أحد ممثلي تيّار “تنويري” شيعي.. والرسالة واحدة: “لقد أساتم فهم العالمانية Secularism، فهي في الفهم الشعبوي محاربة الدين، وفي حقيقتها عند المنظّرين (جون لوك) كفّ يد رجال الدين عن الاستئثار بالحكم، وتولية الأصلح لخدمة الناس، وإقامة العدل ومنع الاستبداد! والعالمانية حق بشهادة الواقع لأنّه ما حكمت العالمانية بلدًا إلّا وتحقق الرفاه”.
قلت:
1-البحث عن حقيقة العالمانية يكون بالنظر في كلام منظّريها لا مؤصّلي بعض مفرداتها. ولو عاد المتحدّث هنا إلى ما كتبه جورج هوليواك (المتوفي منذ أكثر من قرن) والذي نحت الكلمة الإنجليزية Secularism؛ لوجد أنّه قال إنّ العالمانية هي فصل النظام الاجتماعي عن السلطان الديني ممثَّلًا في الرؤية الدينية ومقولاتها لا رجال الدين النصارى فحسب.
2- في الرؤية السُنّية، لا توجد طبقة “رجال الدين”، ولكن لا تجوز مع ذلك علمنة الإسلام؛ لأنّ العلمنة متعلّقة بمرجعية الفكر والفعل، بقطعهما عن الوحي كليًا أو جزئيًا، لا بوجود عمائم.
3-القول إنّ العالمانية ليست هي الإلحاد مطابقةً ولا لزومًا، قول مجمل؛ فالإلحاد ليس هو فقط إنكار وجود إله، وإنما هو أيضًا إنكار أسمائه وصفاته، جلّ وعلا، ومن أسمائه “الحكم”. والعالمانية تنكر ذلك. والقرآن يعلّمنا: “وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله” (الزخرف 84)، والعالمانية تقول: قد نقبل أن يكون في السماء إله، ولكن لا إله [=من هو مطاع طاعة مطلقة] على الأرض إلّا الإنسان.
4- لو كانت العالمانية هي منع رجال الدين من الاستئثار بالمناصب السياسية، لكان ما يفعله الغرب من خلال وكلائه لفرض العلمنة في بلاد المسلمين من العبث الصرف؛ لأنّهم بذلك يحاربون الأشباح والأوهام. والحقيقة هي أنّ مشروع علمنة العالم الإسلامي تقوم عليه مؤسسات غربية تدرك حقيقة العلمنة وتصادمها مع الإسلام الذي ينظّم فيه الوحي جميع أوجه الحياة.
5-ليت المتحدث قرأ ما كتبه البابا السابق للفاتيكان، الفيلسوف الألماني جوزيف راتزينجر عن العالمانية والدين. فقد تحدث في كثير من كتبه عن العالمانية وخطرها على أوروبا، خاصة في “كتابه” (مع يورجن هابرماس) “جدلية العلمانية: حول العقل والدين” و “بلا جذور: الغرب، النسبية، المسيحية، الإسلام” (مع مارسيلو بيرا)، ومجموع مقالاته في كتاب “أوروبا اليوم وغدا: معالجة القضايا الأساسية”، رغم أنه هو نفسه كان يصرّح أنه مع فصل الكنيسة عن الجهاز السياسي للحكم. فالعالمانية ليست هي منع الكنيسة من إدارة شؤون السياسة.. هي أكبر من ذلك، وآثارها أعظم ممّا يقول.
6-نحن في العالم العربي نعيش تحت نير العلمنة منذ قرن من الزمان أو أكثر، ومع ذلك فلا حقوق ولا كرامة.. والموزمبيق في إفريقيا دولة عالمانية وبائسة اقتصاديا، والباراغوي دولة عالمانية في أمريكا الجنوبية، وهي في ذيل الأمم في العلوم.. بل الغرب نفسه، انتهكته الأمراض الاجتماعية بسبب العلمنة واغتراب الإنسان aliénation حيث ينفك الإنسان المعلمن عن هويّة تكسبه معنى أكبر من نفسه.
7- العالمانية لا تدعوك إلى الحرية ولا إلى القمع، ولا إلى التعاون ولا إلى الأثرة.. العالمانية ليست مقولة قيمية ضيقة، فقد كان جيفارا عالمانيا، وكان هتلر عالمانيا، وكان بوش عالمانيا، وكان ستالين عالمانيا. ولكل منهم وجهة قد قصدها… العالمانية رؤية في مرجعية تنظيم الحياة أو بعض أوجهها.. أو بعبارة أوضح: العالمانية تقول لك، عش بالقيم التي تستنبطها في هذا العالم، واعمل لهذا العالم، ولا تأخذ ما ينظم حياتك مما هو وراء العالم (الوحي)، ولا تعمل لما وراء العالم (الجنّة والنار).. أي بعبارة قرآنية.. العالمانية هي أن تتخذ إلهك هواك!
تنبيه..
#حتى_لا_تكون_فتنة