مقالات

د.سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (11) الدراسات العليا.. و«نظرية الجرادل البلاستيك»

تَاحَ لي أن أتعرف إلى عدد ليس بالقليل من موضوعات الأطاريح العلمية التي يشتغل بإنجازها طلاب الدراسات العليا في الكليات والأقسام المعنية باللغة العربية. وقد استيقظ نظري هيمنة التكرار الذي يبلغ مبلغ المطابقة في الموضوعات والمنهجيات المعتمدة ، أما التنوع فَحَصِيرٌ في تبديل أسماء أعلام العلماء أو المصنفات أو البلدان أو الأزمان.

ولا ريب أن استنساخ البحوث على هذا النحو يفضي بالضرورة إلى استنساخ الباحثين، وكلا الأمرين هو البيئة الصالحة لتفشي العقم واليبوسة  واستئصال الأرحام الولود.

وعندي أن مآل هذه الفاجعة لن ينتهي مع هذا الجيل، فانتقال فيروسه  بما هو أمعن في المضرة إلى لاحق الأجيال  هو حتم مقضيّ ووعد مأتيّ؛ ذلك أن باحث اليوم هو أستاذ الغد، وهكذا دواليك إلى ما لا يعلم مداه إلا الله.

ولا يصلح في تشخيص هذا المقام البائس – في ما أرى – إلا  ما أسميه «نظرية الجرادل البلاستيك». 

وتأويل ذلك أن المصنع المنتج لمثل هذه البضاعة ليس لديه للدلو (أو للجردل) إلا قالب حديدي واحد، يستعمله في صب العشرات بل المئات والألوف من أفراد الدلاء التي لا تتمايز إلا بألوانها؛ صُفرًا وحُمْرًا وزُرْقا. ولئن صلح هذا الفعل لإنتاج الدِّلاء (أو الجرادل)، فإنه ليس بصالح ألبتة لإنتاج الباحثين.

د. سعد مصلوح

أستاذ في اللسانيات والنقد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى