د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (14).. قصة الرد على رسالة الشيخ الجليل
قرأت الرسالة التي وسمها شيخنا الجليل الأستاذ محمود شاكر طيب الله مرقده، وفسح له في جنات النعيم بعنوان: «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» غير مرة، طَربا معجبا بلسانه القرشي الصريح، ومتوقفا بين الحَيْنَةِ والحَيْنَةِ في قبول بعض ما تضمنته من أنظار بنيت على رؤية أحادية لا يسوغ اعتمادها في ظني مفسرا أوحد لحركة التاريخ وقصة الصراع بين الشرق والغرب.
وكان أن جمعني في الكويت مجلس ممتع بالصديق الحبيب الأستاذ محمد أبو المعاطي أبو النجا رحمه الله؛ وهو أحد فرسان فن الرواية والقصة القصيرة في الأدب المعاصر، ومن العاملين في هيئة تحرير مجلة «العربي»، وجرى ذكر الشيخ ورسالته، فأفضيت له ببعض ما كان فيه نوعُ تحفظٍ مني.
قال لي الأستاذ أبو المعاطي: ولم لا تحرر رأيك هذا كتابة وتنشره في مجلة سيارة مثل «العربي»؟ قلت: لا أجد في نفسي حماسة للنشر، ثم إن للأمر عقابيل قد تكون غير حميدة؛ فللشيخ تلاميذ ومريدون كثر، وبعضهم من أحب الناس إلي [وكنت أعني نفرا منهم محمود الطناحي وعبد الحميد بسيوني والحساني حسن عبد الله رحمهم الله أجمعين]، وربما ساءهم ذلك إن فهم الأمر على غير الوجه الذي أردت.
وإني -وكلهم يعرف ذلك- لأعد نفسي من خُلَّصِ تلاميذه وأشدهم إعجابا به وإن لم أكن من جلسائه، بيد أن مفهوم التلمذة عندي لا يلتبس بالعصبية، بل يسمح لي عند الاقتضاء بفسحة للخلاف مع أساتذتي وشيوخي.
ثم إنك تعلم ويعلم الناس أن الشيخ شديد السطوة، وأن له قلما فَرّاسا ولسانا فاتكا، وما أغناني عن التعرض لمثل ما تعرض له أخي وصديقي عبدالغفار مكاوي رحمه الله، حين ألقت به غضبته البريئة في طريق الشيخ، فناله منه ما ناله من قوارص الكلم، وقد أفضى إلى ربه وفي حلقه غصة مما كان.
غير أن أبا المعاطي ما زال بي حتى زين لي المخاطرة، وأجاد الولوج إلى ذات صدري، وهو القاص المحترف، بحديثه عن أداء الأمانة وإبراء الذمة، فكتبت الرد الصريح احتسابا لوجه الله وما أعتقده حقا، واتخذ طريقه للنشر على يد أبي المعاطي، وفي الرد إعظام خالص للشيخ الجليل غير ملبوس بإدهان ولا شبهة نفاق، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به بعض عباده.
ولقد علمت من أخي «أبو المعاطي» أن المجلة قد تلقت تعليمات مشددة بنشر ما قد يأتي من رد للشيخ، والتنبيه إلى ذلك على الغلاف، ولكن الشيخ رحمه الله لم يبعث بردّ.
وحدثني أخي الراحل الحبيب محمد حماسة -ولا كذب عليه وهو في جوار كريم- أنه قرأ مقالي بتكليف من الشيخ على الحضور في مجلسه، وأن الشيخ الجليل ما عبس ولا بسر، وإن بقي مستمسكا بما أداه إليه اجتهاده، وكذلكم يكون فَعال الكبار.