الفضل في لفت الانتباه إلى موضوع اليوم هو الراحل أحمد بهاء الدين، في كتابه (أيام لها تاريخ)..
فأنت لو استقرأت كتب التاريخ الفرعوني، فسوف تجد أن الحمار في ذلك الزمان، لا يفترق عما يكون عليه حمار اليوم، وقد أصبحنا في القرن الحادي والعشرين..
والأمر عكس هذا بالنسبة للإنسان.. شتان الفرق، مما يلمسه ويعيشه معظمنا، مما لا يحتاج إلى بيان..
أتدرى السبب في هذا وذاك؟
إن الحمار لا يحمل ذاكرة..
فما كان يصادفه من أخطاء وظروف سلبية، يسقط بمجرد مرور أيام عليه، فإذا به يكرر خطأ الأمس، فيجئ يومه مثل أمسه..
أما الإنسان، فعلى العكس من ذلك، مما تعكسه الحكمة النبوية: لا يُلدغ مؤمن من جحر واحد مرتين..
وهكذا تجئ حكمة التاريخ.. إنها مخزن ذاكرة الإنسان، فتنبهه إلى ألا يفعل كذا ، حيث سبق له أن فعل مثله، فِأصابه الضرر،
والعكس صحيح: افعل كذا، حيث أثبت نجاحا من قبل، مع تشابه أو تماثل الظروف..
ومن هنا جاءت أحداث تاريخية في القرآن – مثلا- ثم يعقبها بتمني (لعلكم توعظون)، أو (لعلكم تتقون)..
ومن هنا أيضا لم يهتم القرآن، في بعض الوقائع الماضية أن يشير إلى أسماء بعينها، أو تاريخ محدد، حيث المهم: الدلالة.. والعظة.. والدرس المستفاد..
وبالتالي يشعر الإنسان بصدمة شديدة أن يعمد مسئولون من أهل التربية إلى إلغاء مقرر عن تاريخ التربية، تصورا منهم، أن ما فات قد مات، وبالتالي لا لزوم له..
إن وقائع التاريخ، مثلها مثل عالم المادة الذي نقول فيه: المادة لا تفنى.. فواقعة التاريخ لا تفنى.. يزول الشكل.. لكن المغزى.. والدلالة، والأثر يستقر في الوجدان والوعي العام..
ويبدو أن أهلنا التربويين، قد انساقوا وراء الوضع السيء الخاطئ للتاريخ في مناهج التعليم العام، حيث يركز على التاريخ السياسي، ولو اتجه كذلك إلى التاريخ الثقافي والعلمي والاجتماعي، للمس الدارسون أهميته وضرورته..
ولو قلّ الاهتمام بضرورة استرجاع أرقام التأريخ، أي كذا حدث يوم كذا، في شهر كذا، سنة كذا، مركزا على المضمون والدلالة والنتيجة، لانحسرت الصورة السيئة عن التاريخ..
انظر- مثلا- إلى عالم كبير في الفيزياء، أو غيرها، فَقَد ذاكرته.. فماذا يكون بعد ذلك؟ لا شيء؟ ونعرف البعض الذين ابتلاهم الله بفقد الذاكرة (الزهايمر)، ماذا يكون حالهم؟!!
اتقوا الله فيما تتخذونه من قرارات..
اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون!!