د. سعيد إسماعيل يكتب: محنة ثقافية

منذ أيام قليلة اتصلت بي أستاذة كريمة في التربية، فزعة، أن دار النشر التي نشرت لديها كتابين (على حسابها الخاص)، وهى دار نشر كبيرة وشهيرة، تطلب منها الحضور لأخذ جميع النسخ المتبقية، فتذكرتُ أن هذه الدار نفسها، كانت قد طلبت منى مثل هذا الطلب منذ ثلاثة شهور على وجه التقريب، وأخذتُ ذلك على أن كتبي (بائرة)، لا يقبل عليها أحد، وكان هذا من حسن حظ زوار الصالون، أيام كنت أذهب إليه، فأهدى كل زائر ما تيسر من النسخ، بل وصل الأمر أن كنت أعطى- أحيانا- بواب العمارة بعض نسخ يبيعها لحسابه لبائع الروبابيكيا، فيتكسب من ذلك بعض المال..
وارتبط هذا بلوم مستمر من أفراد أسرتي، كلما هممت بطباعة كتاب جديد، حيث لا يمر يوم ، على وجه التقريب، دون أن أكتب في موضوع ما، ثم أتجه إلى تجميع ما كتبت في كتاب أطبعه على حسابي الخاص، ولا تزيد كمية ما أطبع عن مائة نسخة، وأهلي يكادون يعايرونني بأن كتبي لا يشتريها أحد؟!!
كذلك تذكرت كيف أن دارا كبرى للنشر أعادت لي موسوعتي العربية لفلسفات التربية، ذات العشرة مجلدات، عازفة عن نشرها، وفشلت، طوال شهور، أن أجد من ينشرها، فوضعتها على صفحتي نشرا إلكترونيا؟!!
وعندما أتأمل في هذا الحال، تعود ذاكرتي إلى بضع سنين مضت، فأجد نفسي أردد: كان الجواب باين من عنوانه، كيف؟
توقف مشروع أكثر من رائع (القراءة للجميع) الذي كان برعاية سوزان مبارك، حيث كانت الأرصفة تمتلئ بكتب شهيرة ضخمة، تُباع بأسعار شكلية، يستطيعها أي مواطن..
وتم إيقاف المجالس القومية المتخصصة (4 مجالس: القومي للتعليم- القومي للثقافة- القومة للإنتاج- القومي للخدمات)، وكانت مبررات أحد الجهابذة أن هذه المجالس لم تخدم مصر في شيء، وإن دل هذا على شيء فإنما دل على جهل الذي قال بأن هذه المجالس، كانت بمثابة بنوك بحث ودراسة، وأن الجهة المسئولة عن التنفيذ هي الدولة نفسها، وليست المجالس..
ثم رأينا كيف فُتحت الخزائن للطرق والكباري، والفنادق الفخمة، والمدن الترفيهية، وغير هذا وذاك مما يشير إلى أن الثقافة- مثل التعليم- ليست من الأولويات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.