د. سلطان إبراهيم المهدي يكتب: قبلة على رأس المقاومة

د.سلطان إبراهيم المهدي.. كاتب وشاعر

«قُبلة على رأس المقاومة» في مشهد عفوي لا تكلُّف فيه، يضع الأسير الإسرائيلي، قُبلة عرفان وامتنان على رأس آسريه، دونما ضغط أو تهديد، أمام الصليب الأحمر،

ويعلم أن وسائل الإعلام تصوّر الحدث، وتسلّط الضوء عليه، وسوف يراه العالم أجمع، لكنه رغم ذلك يحرص على توصيل هذه الرسالة الصامتة الصادقة، بل ويُكرّرها في مشهد لافت،

قُبلة على رأس المقاومة

جاء هذا السلوك الإنساني العفوي الصادق، ترجمة لشعور يعتمل في نفس ذلك الأسير، وهو شعور نابع من العرفان والامتنان الكبير لما قُدِّمَ له من معاملة إنسانية إسلامية راقية خلال فترة أسره،

وربما وهو الجندي لدى إسرائيل قد شاهد عن قُرب واقع الأسرى الفلسطينيين وتعامل الكيان الذي ينتمي إليه معهم؛

فَجَرَتْ مقارنة في نفسه بين معاملة قومه، ومعاملة هؤلاء ملثمي الوجوه، طيّبي القلوب، فأتت القُبلة لتؤكد انتصار المقاومة في تعاملها الإنساني النبيل.

كانت هذه القُبلة رسالة تقول للعالم إن المقاومة نجحت في أسر قلب ذلك الفتى بحُسن التعامل ونُبل الأخلاق، رغم قساوة الظروف وشدة الخصومة،

فتأتي هذه القُبلة شهادة صادقة ودليل دامغ، وبرهان ساطع على حُسن التعامل:

والحقُ ما شهدَت به الأعداءُ.

قُبلة على رأس المقاومة

إن هذه القبلة الصادقة تخترق حُجب الزمان والمكان لتعيد للأذهان مشهدا قديما من إكرام النبي (صلى الله عليه وسلم) لثمامة بن أثال الحنفي،

وأثر هذا الكرم على نفس ذلك الأسير، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجلٍ من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال،

فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ما عندك يا ثمامة؟،

فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت..

فتُرِك حتى كان الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟، فقال: ما قلتُ لك، إن تنعم تنعم على شاكر.. فتركه حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟،

فقال: عندي ما قلت لك، فقال ـ صلى الله عليه وسلمـ: أطلقوا ثمامة.. فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب دين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟، فبشّره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمره أن يعتمر.. فلما قدمَ مكة قال له قائل: صبوت (خرجت من دينك)؟ ، قال: لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم) (البخاري)

قُبلة على رأس المقاومة

إنها أخلاق الإسلام في التعامل، تلك الأخلاق التي تفتح القلوب، وتهدم السدود،

ولا يقارن هذا الخُلق الإسلامي في التعامل مع سوء المعاملة وامتهان العدو الصهيوني لكرامة أسرى فلسطين.

وقد جاءت هذه القُبلة أبلغ رد على دعاوى العدو وافتراءاته، حول سوء معاملة الأسرى، خاصة في الوقت الذي يذرف فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني دموع التماسيح متباكيا على قتل الطفلين اليهوديين،

وهو يعلم يقينا أن ما قتلهم هو (آلة الدمار الصهيوني)،

ولكنه يحاول أن يُلقي بالتهمة على المجاهدين لينطبق عليه المثل القائل: «رمتني بدائها وانسلت»..

فتأتي هذه القُبلة المدافعة عن الحق، الكاشفة لزيف العدو وادّعائه الباطل.

قُبلة على رأس المقاومة

وقد قال القيادي في حركة حماس «محمود مرداوي» إن تقبيل رأس أحد أفراد كتائب القسام من قِبل أسير يمكن أن يحمل دلالات متعددة، حسب السياق والنية وراء الفعل، مشيرا إلى أنه قد يدل على التقدير والاحترام، وقد يكون تعبيرا عن الامتنان والاحترام لدور كتائب القسام في تحريره والدفاع عنه من محاولات القتل.

وتبقى هذه القُبلة التي تكررت من ذلك الأسير على جبين اثنين من جنود المقاومة ليؤكد تكرارها أنها كانت تنبع من شعور صادق بالامتنان والعرفان..

تبقى هذه القُبلة لتضيف نصرًا جديدا يضاف إلى انتصارات المقاومة الإسلامية في حربها وجهادها ومواجهتها مع الكيان الصهيوني الغاصب الغاشم، ولتكون ردًا بليغا على زيف وكذب السردية الصهيونية أمام أعين العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights