الأمة الثقافية

“د. سلطان إبراهيم” والقضية الفلسطينية في آداب عين شمس

لم يكن حصوله على درجة الدكتوراه، من كلية آداب عين شمس، يوم الخميس الفائت 19 أبريل 2024م، بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى بإجماع اللجنة، مفاجِئًا، فهو أكبر من الرسائل: شاعرا وباحثا وكاتبا يحمل على عاتقه قضايا أمة، لا يتلوّن، ولا ينحني للريح مهما اشتدت..

ولكن الدهشة كانت (موضوع الرسالة)، ذلك العنوان الذي يجعلك تفقد عاملَيْ: الزمان والمكان، بعد أن قفز الباحث فوق كل الأسوار، وتخطّى جميع الحواجز ليتواصل مع قضية الأمة الكبرى، بل يصبح عنصرا رئيسا فاعلا، يتحدث على لسانها، ويعيش منمنمات حياتها الصغيرة..

إنها القضية الفلسطينية ورسالة الدكتور سلطان إبراهيم: “بلاغة الحِجَاج عن القضية الفلسطينية في الشعر الفلسطيني”

يقول في تقديمه لرسالته:  (القضيةُ الفلسطينيةُ قضيةُ هُويةٍ، والتفاعلُ مع مجرياتِها ضرورةٌ وحتميةٌ؛ ولما كان الحِجَاجُ مقترنًا باللغة حيثُ وجِدَتْ فإنَّ الحاجةَ إليه تشتدُّ، والضرورةَ تتأكدُ عندَ الدفاعِ عن الحقِّ والمبدأ؛ لذلكَ فقدْ رَكَّزَتِ الدراسةُ على قضيةٍ محوريةٍ تَشْغَلُ الأمةَ الإسلاميةَ كلَّها، وتؤثرُ بشكلٍ بالغٍ في حياةِ الوطنِ العربيِّ من مُحيطِهِ إلى خليجِهِ، حيثُ تُعَدُّ نكبةُ فلسطينَ أضخمَ حدثِ تَحَولٍ في حياةِ العربِ في العصرِ الحديثِ؛ لذا فإنَّي قد حاولتُ – مستعينًا بالله – من خلالِ هذا البحثِ دراسةَ بلاغةِ الحِجَاجِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ في الشعرِ الفلسطيني المعاصرِ، ساعيًا إلى استكشافِ الآلياتِ الحِجَاجيةِ المتنوعةِ في الخطابِ الشعريِّ المُنافحِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ، قاصدًا التعرفَ على كيفيةِ تكوينِ مُدْركاتِ الحِجَاجِ وتناقضاتِهِ وآلياتِهِ، وكيفيةِ صياغةِ الحُجَجِ في هذه النُّصوصِ الشعريةِ في ضوءِ النظريةِ النقديةِ التداوليةِ، وعليهِ فقد حاولتُ الإجابة عن أسئلة رئيسة، من بينها: كيف يصوغُ النصُّ الشعريُّ حجَاجَهُ عن القضيةِ الفلسطينيةِ؟ وما آلياتُ تَشَكُّلِ الحِجَاجِ في هذه النصوصِ في الشعرِ الفلسطيني المعاصرِ؟ وكيف التقى الحِجَاجُ مع الجمالِ الفنيِّ دونَ أن يتعارضَ أحدُهما مع الآخرِ؟

والقضيةُ الفلسطينةُ من القضايا التي تبرزُ فيها قوةُ الحِجَاجِ والبرهانِ في مواجهةِ الافتراءِ والزيفِ، فمنذُ أنْ نبتت الخليةُ السرطانيةُ الصهيونيةُ في تُرْبَةِ فلسطينَ، وتَسَلَّطَتْ على جِسْمِ الأمةِ العربيةِ والإسلاميةِ، ورحَى الصراعِ دائرةٌ، يَفْرِضُ فيها المُعْتدي سطوتَه بالسلاحِ والقوةِ، وتساندهُ القوى الكبرى فتكيلُ بمكيالين، وتعطي للعربِ من طرفِ اللسانِ حلاوةً ظاهرةً، في وقتٍ تُجَيِّشُ فيه طاقاتِها وسلاحَها وأقوالَها لنُصْرَةِ العدوِّ الغاشمِ الذي يسعى إلى التمددِ، في عصرٍ شاهتْ فيه المعالمُ، وتداخلتْ فيه الملامحُ، واختلطَ حابلُ الأمورِ بنابلِها؛ لذا فقد استهدفَتِ الدراسةُ تناولَ آثار القضيةِ الفلسطينيةِ على الشعراءِ الذين امتزجَتْ تجاربُهُم الشعريةُ بهاِ، وما حملتْهُ نصوصُهم من بلاغةٍ حجاجيةٍ وآلياتٍ إقناعيةٍ، وتقنياتٍ دلاليةٍ ذاتِ طاقاتٍ إيحائيةٍ وُظِّفَتْ لاستمالةِ العواطفِ، واستثارةِ المشاعرِ، وإقناعِ العقولِ بعدالةِ القضيةِ، متصديةً بطاقاتِها الشعريةِ الخلّاقةِ لطوفانِ الدعاوى الزائفةِ التي تسعى إلى مسخِ الهُويةِ وتضبيبِ الرؤيةِ، وتغريبِ الفكرِ، لتَظْهَرَ من خلالِ الحِجَاجِ الشعريِّ حقيقةُ الهُويةِ الأصيلةِ، ومعالمِها المائزةِ، وليرصدَ النصُّ الشعريُّ حالاتِ التشظي في واقعِ الحياةِ، وانعكاساتِ ذلك الواقعِ على النَّصِ الشعريِّ، مُشَكِّلًا الرؤيا لمدركاتِ الوجودِ الفلسطيني والحقِّ العربي، مُجليًّا عبقريةَ اللغةِ وما تفيضُ بهِ مِن جمالِ أسلوبٍ وأسرارِ بيانٍ، وما تحملُهُ من قوةِ حُجَّةٍ ونصاعةِ بُرهانِ)

وقد جاءتِ الدراسةُ في مقدمةٍ وأربعةِ فصولٍ وثبتٍ بالمصادرِ، وافتُتِحَتْ بمبحثٍ تمهيديٍّ ألقى الضوءَ على المسارِ التاريخيِّ للقضيةِ الفلسطينيةِ،

وقد تناولَ الفصلُ الأولُ المدخلَ النظريَّ مُحررًا مصطلحَ الحِجَاجِ، ملقيًا الضوءَ على النظريةِ الحِجَاجيةِ بين الفكرِ العربيِّ والفكرِ الغربي،

وتناولَ الفصلُ الثاني التوظيفَ الحِجَاجيَّ للصورةِ الفنيةِ في الخطابِ الشعريِّ المُحاجِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ،

بينما تناولَ الفصلُ الثالثُ دراسةَ الآلياتِ الحِجَاجيةِ في الأساليبِ الإنشائيةِ في الشعرِ الفلسطينيِّ،

وجاء الفصلُ الرابعُ ليتناولَ التقنياتِ الحِجَاجيةَ في الشعرِ الفلسطينيِّ المعاصرِ، وقد تَفَرَّعَ عن كلِّ مبحثٍ من مباحثِ الفصولِ الأربعةِ ما يتلاءمُ معها من المطالبِ.

  • مليار مبارك للإنسان الخلوق، والأديب السامق، والشاعر الكبير الدكتور سلطان إبراهيم الذي أضاف للمكتبة العربية موضوعا شائقا شائكا، ومرجعا مُهمًّا، كعادته دائما..

الدكتور سلطان إبراهيم .. قصة كفاح تستحق أن تُدرَّس فكريًّا وحياتـيًّا..

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى