تبدو المسيرة في الطريق عسيرة** وعلى صخور الهَمِّ مَن يتحطَّمُ
يبقى المُحاول صامدًا ومثابرا ** رغم اجترار للأسى يتقدمُ
في مسيرة الحياة يسعى الإنسان الطموح للوصول إلى القمة، ثم تعترضه عوائق مُلِمَّة، قد تتمثل العوائق أحيانًا في فتور النفس عن أداء المُهِمَّة، أو زيادة أعباء الحياة والضغوط على ذلك الإنسان الطموح، لكن صاحب الهِّمة والهَمِّ لا ينبغي له أن يستريح، بل عليه أن يتحدى التيار ويقاوم الريح، يسقط مرة فينفض الغبار ويعيد المحاولة ويستكملُ المشوار، ثم يعترض عارض آخر أقوى وأشد وربما يسقط مرة أخري، وربما كانت جراح السقوط أشدَّ، وكسورة أعظم، لكن صاحب القضية والهمة والرؤيا والمشروع لا يعرف التوقف، يُلملم نفسه ويضمد جرحه، ليعيد المحاولة من جديد ويستمر في المسير، ومع كثرة السقوط وزيادة العوائق يكتفي البعض بما أنجز، ويبرر توقفه بما يُريح نفسه أو يُخدر همته، ولا يصل إلى أبعد مدى إلا من لا يستسلم ولا يدع المحاولة من جديد..،
وقد كثر الحديث هذه الأيام حول ما كان من همة وما آل إليه من حال، فلماذا لا تحاول أنت أن تصنع وتبذل وتتحرك وتنطلق وتصبر وتصابر وتبدأ وتمد يدك إلى غيرك، كن أنت الأمل الذي ينبعث والحلم الذي يتحقق والفجر الذي يولد، والصبح الذي يتنفس، كن أنت الدليل وحامل المصباح وحادي الطريق، لا ينبغي علينا تغيرت الأحوال أن تتغير النفوس،وما أجمل ما قاله المفكر الإسلامي محمد إقبال، وهو يتحدث عن رسالة المسلم، ومقامه في الحياة، وما عليه أن يفعل إذا تنكر له الزمان، وعصاه المجتمع، قائلًا: ” إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويواكب الركب البشري حيثما اتجه وسار، وإنما خلق ليوجه العالم والمدنية، وليفرض عليها إرادته، ويملي عليها اتجاهه؛ لأنه صاحب الرسالة، وصاحب العلم اليقين، ولأنه هو المسؤول عن هذا العالم، وسيره، واتجاهه، فليس مقامه مقام الاتباع والتقليد، وإنما مقامه مقام الآمر الناهي، مقام الإمامة والقيادة، ومقام التوجيه والإرشاد، فإذا تنكر له الزمان، وعصاه المجتمع، وانحرف عن الجادة، لم يكن له أن يضع أوزاره، ويسالم الدهر، بل عليه أن يثور عليه وينازله، ويظل معه في صراع وعراك حتى يقضي الله في أمره. إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاهرة، والأوضاع القاصرة، والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام، أما المؤمن فهو نفسه قضاء الله الغالب، وقدره الذي لا يرد”.
وهذا هو التحدي الحقيقي، نحن لا نحتاج إلى توصيف قدر حاجتنا إلى محاولة، والمحاولة في الوقت العصيب إذا ما صدقت فيها النية فهي مصحوبة في الغالب بتوفيق الله عز وجل، لا تُغرق في التنظير عندنا أوراق تملأ آلاف الأدراج وكتب لعلماء الاستراتيجية والتخطيط والإدارة والتربية ما لو فَعَّلَت الأمة معشارها لعدنا إلى سالف عهدها ومجدها،
كل التجارب التي تحاول وتبدأ وتتتعثر وتنهض، تستمر ويكتب لها الحياة .ورسالة الإنسان في الحياة هي تحقيق مراد الله تعالى؛ فالإنسان لله، وهو راجع إليه، فيجب أن يكيف حياته وفق منهج الله تعالى، وأن يجعل حياته كلها لله رب العالمين، فمن استطاع أن يُلزم نفسه الجادة على هذا الطريق فقد حقق مراد الله، و عن أبي عَمْرو، وَقِيلَ: أبي عَمْرَةَ، سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثّقَفيِّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، قُلْ لي في الإِسْلاَمِ قَوْلًا لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، قَال: “قُلْ: آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ”؛ رواه مسلم.
فينبغي المحاولة والبداية بالذات وعدم الالتفات فلندع البكاء على ما فات ولنجتهد فيما هو آت، ولنستعن في كل أمر برب البريات. وليكن كل منَّا قُبلة الحياة إذا خارت العزمات، ولنستقم على أمر الله من الحياة إلى الممات.
