يعد العالم الجليل، والأديب الفذ، والشاعر الملهم، الأستاذ الدكتور القدير صابر عبد الدايم يونس، أحد أعلام الأمة، وأستاذ الجيل، وواحداً من أبرز رموز الحياة الإبداعية والعلمية في عالمنا العربي والإسلامي، ورائداً من رواد الأدب الإسلامي المعاصر، وهو أحد الرجال المرابطين على ثغور العلم، والمدافعين عن الحق، وهو أيقونة العلم والفكر والأخلاق، فقد جمع بين الأدب والعلم والإنسانية، فاستحق أن يتبوأ المكانة اللائقة في سماء الإبداع، وغدا فارس الشعر والأدب بلا منازع، فقلما يجود الزمان بمثله، لقد قضى جل حياته عبر مسيرة علمية طويلة حافلة بالعطاء، وزاخرة بالإبداع الراقي في خدمة لغتنا العربية وعلوم القرآن الكريم.
لقد تتلمذ على يديه واقتبس من نوره، ونهل من نبعه الصافي العديد من دارسي العربية وطلاب البحث العلمي، وقد كان لي الشرف الكبير أكثر من مرة بلقائه المبارك الميمون في إحدى ندوات المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، فتوطدت بيننا صداقة متينة وأخوة نبيلة لا تنمحي أبداً.
ولد أديبنا الكبير بقرية منشية العطارين بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية في ١٩٤٨/٣/١٥م، وحفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره، والتحق بالأزهر الشريف حيث تخرج في معهد الزقازيق الديني وكلية اللغة العربية بالقاهرة عام ١٩٧٢ م، وحصل على الماجستير في الأدب والنقد عام ١٩٧٢، ونال الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام ١٩٨١م، والأستاذية عام ١٩٩٠م.
ثم شغل عدة مناصب من رئاسة القسم إلى وكيل الكلية إلى تولي عمادة كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالزقازيق عام ٢٠٠٧، وحتى عام ٢٠١٣م، فهو العميد الثاني عشر لتلك الكلية، كما كان مقرر اللجنة العلمية لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر سابقاً لما يقارب العشرين عاماً، وهو المشرف على دوحة الشعر بمجلة الأزهر التي تصدر شهرياً.
وقد كان لفضيلته حراكه الثقافي والأدبي في كل مكان، فربما لا توجد جمعية أدبية أو ثقافية بجمهورية مصر العربية لم تشرف بعضوية أو مشاركة الشاعر الأكاديمي المبدع الكبير الدكتور صابر عبد الدايم، ويأتي في مقدمتها رابطة الأدب الإسلامي التي يترأس فرعها بالقاهرة فيما يتولى نائب الرئيس لمكتب البلاد العربية، والتي كان أحد أهم مؤسسيها الأوائل كما كان مقرراً للجنة فروع اتحاد الكتاب بجمهورية مصر العربية لثلاث دورات متتابعة، وكذلك عضويته بالهيئة الإدارية للمجلس العالمي للغة العربية بلبنان وتأسيسه للصالون الأدبي الذي يعقد بمنزله بالزقازيق منذ عام ١٩٩٠م، كما يترأس صالون يونس الثقافي بالحاكمية بالدقهلية، ويسهم إبداعياً وإدارياً بصالون نهر النيل للأديبة الكبيرة نجلاء محرم بالزقازيق، وهو أيضاً عضو لجنة إحياء التراث وتحقيقه وتيسيره بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ورئيس حكماء واحة أمير الشعراء للشعراء المحافظين، والأب الروحي لأعضائها.
وأما عن الحياة الأكاديمية للدكتور صابر عبد الدايم، فقد قام بالتدريس في الجامعات المصرية والعربية، في جامعة الأزهر الشريف وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية.
أشرف الأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم وناقش على ما يقارب (٢٠٠) رسالة ماجستير ودكتوراه في مصر والخارج، كما نوقشت حول أعماله (١٥) رسالة ماجستير ودكتوراه.
وصدرت عن أعماله عشرات الدراسات والبحوث من كبار الدارسين والباحثين والنقاد.
وقد ترك إرثاً شعرياً ونقدياً مما أثرى المكتبة العربية بالعديد من تلك المؤلفات القيمة، والكتب والدواوين الرائعة، حيث أصدر ما يقارب الخمسين دراسة علمية حول الأدب، والنقد، والعروض، والبلاغة، والتفسير، والحديث، وعلم اللغة، والأدب المقارن، وأدب المهجر، وغيرها من مباحث علوم اللغة العربية والأدب والنقد المقارن، نذكر من بينها: “الأدب المقارن بين التراث والمعاصرة”، “الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق”، “فن المقالة دراسة نظرية ونماذج تطبيقية”، “أدب المهجر”، “جماليات النص الأدبي في التراث العربي”، و”فنون الأدب المعاصر”.
كما صدر له أربعة عشر ديواناً شعرياً منذ كان طالباً بكلية اللغة العربية وإلي آخر أيام حياته المباركة، ونذكر منها: “نبضات قلبين”، ” المسافر في سنبلات الزمن”، و”الحلم والسفر والتحول”.
وكذلك كانت له إسهاماته الضخمة في وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة تلفزيون، خاصة برامجه الشهيرة بإذاعة القرآن الكريم بمصر والسعودية.
كما مثل جمهورية مصر العربية في عدة مؤتمرات علمية ودعوية وإبداعية بمصر والسودان، ولبنان، والسعودية، والشيشان، وسلطنة عمان، والأردن، والمغرب، والجزائر، والهند، وباكستان.
وكان الدكتور صابر عبد الدايم يونس قد رشح للحصول على جائزة الدولة التقديرية في الأدب العربي ووصل إلى القائمة القصيرة لأربع دورات متتابعة، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى في ٢٨ سبتمبر عام ٢٠٢٣م الموافق ١٣ من ربيع الأول ١٤٤٥ه.
قال عنه الدكتور محمود خليل رئيس إذاعة القرآن الكريم المصرية الأسبق: “حين تذكر الحركة الأدبية الحديثة في مصر والعالم العربي، وتستعرض أسماء الرواد الذين جمعوا بين الشعر والفكر، وبين العلم والوعي، وبين الدعوة والحركة، و بين التأصيل النقدي والتجديد الإبداعي، لا بد أن يطل اسم الدكتور صابر عبد الدايم يونس ببهائه الخاص. شاعراً وأكاديمياً ومفكراً، صاغ تجربته في معترك الحياة والثقافة والسياسة، بروحٍ صافيةٍ، ولغةٍ تستمد ألقها من نور الإسلام ووهج الثورة، ومتانة التراث، وتستجيب في الوقت ذاته لنبض العصر وتحدياته، وما يطاله من تطور وتغير وتجديد”.
وقال عنه الدكتور علي زين العابدين الحسيني: ” كان – رحمه الله – مدرسة في الأدب، وعلماً في النقد، جمع بين دقة النظر وسلامة الذوق، وسعة المعرفة وطيب المعشر، لا يعرفه أحد إلا ويحس ببهاء خلقه، ورحابة صدره، وصدق مشاعره، فقد كان سمحاً ودوداً، متواضعاً كريماً، يفيض وجهه بالبشر، وتتفجر قريحته بالشعر العذب والفكر الناضج”.
وقال عنه الشيخ صالح علي صالح الفقي الموجه العام بوعظ الأزهر:
” كان رجلاً لا يعرف بصفته الأكاديمية فحسب، بل يفيض بإنسانيته، وصدق عطائه، وإشعاع أدبه الذي تجاوز حدود قاعات الجامعة ليضيء ساحات الفكر والثقافة. جمع بين القلم والقصيدة، وبين البحث والنقد، فكان ناقداً بصيراً يبصر الأجيال بمرامي الكلمة، وشاعراً مرهفاً يجعل من القصيدة مرآة للروح ووجداناً للأمة”.
كما قال عنه أيضاً السفير الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي: ” كان – رحمه الله – صديقاً مخلصاً لعمله، متفانياً في عطائه، كريماً في أخلاقه، نقياً في سريرته، لا يمل من البحث، ولا يتوانى عن التعليم، ولا يتردد في النصح والمشورة”.
رحم الله تعالى أديبنا الكبير رحمة واسعة، وتقبله في الصالحين ورفع درجته في المهديين، وأن يجزيه عن العلم وأهله خير الجزاء.
