السبت أكتوبر 12, 2024
مقالات

د. صالح النعامي يكتب: الإعلام الإسرائيلي في خدمة إرهاب المستوطنين

مشاركة:

«حدث خطير»، هكذا علق أورن هيلر، المعلق العسكري لقناة 13 الإسرائيلية على الهجوم الإرهابي الذي نفذته مجموعة من المستوطنين في بلدة «برقة»، شرق رام الله، قبل أسبوعين، والذي انتهى بمقتل الشاب الفلسطيني قصي معطان.

وقد تجنب هيلر في تقريره المطول وصف الحادثة بـ«الجريمة» أو «العمل الإرهابي»، وهي الأوصاف التي تخلعها وسائل الإعلام الإسرائيلية عادة على عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون.

وقد أبدت وسائل الأعلام الإسرائيلية اهتماما ما بالعمل الإرهابي الذي نفذه المستوطنون في «برقة» لأنه تبين أن الذي قاد هذا الهجوم هو إليشيع يارد، الناشط البارز في حركة «القوة اليهودية» التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. لكنها في المقابل تجاهلت أغلبية الجرائم التي نفذها المستوطنون وجنود الحتلال، والتي أسفرت منذ بداية العام الجاري عن 186 قتيل، 6813 جريح، فضلا عن تدمير 626 منزل.

وتعد حادثة مقتل الشاب قصي معطان على يد المستوطنين اليهود في بلدة «برقة» قبل أسبوعين مثالا كلاسيكيا لآليات تعامل الإعلام الإسرائيلي مع الرواية الإسرائيلية الرسمية ورواية المستوطنين، حيث تم تقديم هذه الحادثة كأنها نتاج «شجار» وقع بين مستوطنين وفلسطينيين. فقد تجاهلت وسائل الإعلام حقيقة أن الحادثة وقعت في قلب أراضي البلدة الفلسطينية وأن المعتدين من المستوطنين المدججين بالسلاح قطعوا مسافة طويلة حتى وصلوا إلى البلدة بهدف تنفيذ الاعتداء.

في الوقت ذاته، فأن وسائل الإعلام الإسرائيلية في كثير من الأحيان تتبنى روايات المستوطنين التي يستندون إليها لتبرير إرهابهم. وإن كان العالم بأسره قد شاهد الفظائع التي ارتكبها المستوطنون اليهود في بلدة حوارة في فبراير الماضي، حيث أصابوا 98 فلسطينيا وأحرقوا 20 منزلا وأتلفوا عشرات السيارات وأعاقوا وصول سيارات الأسعاف لنقل الجرحى، ومع ذلك عرضت معظم قنوات التلفزة والصحف الإسرائيلية هذه الجريمة بوصفها «ردا انتقاميا» على عملية للمقاومة نفذت في محيط البلدة.

وقد أثرت ازدواجية المعايير لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية على السياسات التحريرية المتبعة في إعداد التقارير المتعلقة بإرهاب المستوطنين وعمليات المقاومة. ففي حين تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوب المبنى للمجهول عند نشر أو إذاعة خبر مقتل فلسطيني برصاص المستوطنين أو جيش الاحتلال بهدف عدم إبراز الطرف الذي يقف خلف الجريمة، فأنها تستخدم أسلوب المبنى للمعلوم في الإشارة إلى عمليات المقاومة التي تنتهي بمقتل مستوطنين وجنود للاحتلال.

وفي كثير من الأحيان تتعامل وسائل الإعلام مع ضحايا إرهاب المستوطنين من الفلسطينيين كأرقام، دون ذكر أسماء القتلى أو تفاصيل تتعلق بخلفياتهم الشخصية، إلا في حالات نادرة، فأنها في المقابل تنشر وتبث تقارير مفصلة حول قتلى المستوطنين والجنود، وضمنها تقارير حول خلفيات القتلى الشخصية، ناهيك عن بث مقابلات مع ذويهم وأصدقائهم وعرض تقارير عن الجنازات التي تنظم لهم.

إلى جانب ذلك، فأن وسائل الإعلام تغض الطرف عن إسهام جيش الاحتلال في توفير بيئة تسمح للمستوطنين بتنفيذ اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين، حيث أن جيش الاحتلال يعد صاحب الولاية القانونية والأمنية في الضفة الغربية المحتلة.

ففي تناولها لمسألة تدشين المستوطنين بؤر استيطانية على الأراضي الفلسطينية، بررت قناة «12» ذلك بـ«عجز» الجيش عن منعهم من ذلك. فجيش الاحتلال الذي يشن حملات وعمليات عسكرية في المدن والبلدات ومخيمات اللاجئين الفلسطينية في الضفة يقتل فيها المئات، يتم تبرير عدم منعه سطو المستوطنين على الأراضي الفلسطينية وتدشين بؤر استيطانية عليها بـ«العجز».

لكن كما ويقول جادي حيطمان، أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة «أرئيل» في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرنوت» الأسبوع الماضي فأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتجاهل اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين لأنها لا تبدي اهتماما بـ«حياة الفلسطينيين».

وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت واضحا في المقابلة التي أجراها معه مؤخرا تلفزيون «ديموكرات تي في» عندما اتهم وسائل الإعلام بالتعاون مع المستوطنين وأنهم تعمل على التغطية على الجرائم التي يرتكبها هؤلاء ضد الفلسطينيين.

ويرى رجل الاستخبارات الإسرائيلي السابق شموئيل مئير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تلعب دورا رئيسا في «هندسة الوعي الجمعي» الإسرائيليين لكي يتوافق مع الروايات التي يطرحها المستوطنون لتسويغ اعتداءاتهم. وفي تغريدة كتبها على حسابه على تويتر، جزم مئير بأن الإعلام الإسرائيلي يتبنى «الرواية المؤسساتية» الصادرة عن دوائر الحكم، في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وضمن ذلك حول ما يجري في الضفة الغربية من اعتداءات للمستوطنين اليهود على الفلسطينيين.

وفي المقابل، فإن المستوطنين اليهود وممثليهم السياسيين يقيمون الدنيا ولا يقعدوها عندما يتعرض بعض المعلقين في قنوات التلفزة والصحف لجرائمهم. فمطلع الأسبوع الجاري طالب ممثلو المستوطنين اليهود إدارة قناة «12» بفصل محمد مجادلة، وهو صحافي يعمل معلقا في القناة، بعد أن دلل خلال مشاركته في برنامج «أستوديو السبت» على جرائم عناصر التنظيم الإرهابي اليهودي «فتية التلال»، الذي يتولى مهمة السطو على الأراضي الفلسطينية الخاصة وطرد أصحابها منها وبناء بؤر استيطانية عليها.

من ناحيته توقع الكاتب الإسرائيلي يريف أوفهايمر أن يتعاظم ميل وسائل الإعلام للتوافق مع الرواية الرسمية ورواية المستوطنين في المستقبل بفعل طرح الحكومة خطة التعديلات القضائية، التي تساعد الحكومة على إحكام قبضتها على المؤسسات الإعلامية.

Please follow and like us:
د. صالح النعامي
صحفي فلسطيني، باحث في الشأن الإسرائيلي، دكتوراة في العلوم السياسية