د. صالح النعامي يكتب: لماذا يتحمس نتنياهو لحلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة؟
يمارس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا ضغوطا كبيرة على قيادة الجيش والأجهزة الاستخبارية لعدم الاعتراض على توجهه لطلب تدشين تحالف دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ويستثمر نتنياهو طاقة كبيرة في الضغط على القيادتين العسكرية والأمنية للموافقة على عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة لإدراكه أن مثل هذا التحالف يتعارض مع مبادئ إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي.
وتنص إستراتيجية الأمن القومي، التي بلورها رئيس الوزراء الأول دفيد بن غوريون، والتي التزم بها جميع من خلفه في قيادة إسرائيل، على وجوب الاعتماد على الذات في تأمين الدفاع عن الوجود، وتجنب الاستعانة بدولة خارجية تأمين الوجود المادي لهذا الكيان.
فحسب هذه الإستراتيجية فأن عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة ينطوي على مخاطر هائلة، تتمثل في خسارة إسرائيل استقلال قرارها السياسي والعسكري.
فتحالف الدفاع المشترك يلزم الجيش الأمريكي بالمشاركة بشكل فاعل في الدفاع عن إسرائيل في حال تعرضت لمخاطر عسكرية،
وهذا سيترتب عليه ضريبة باهظة تتمثل في منح واشنطن الحق في الاعتراض على الكثير من القرارات السياسية والعسكرية التي يمكن أن تقدم عليها تل أبيب.
فعلى سبيل المثال، لن يكون بوسع القيادة الإسرائيلية اتخاذ قرار بشأن شن عمل عسكري أو حرب دون الحصول على موافقة مبدأية من واشنطن.
فضلا عن أن تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة سيلزم إسرائيل بتسخير جيشها للانخراط في أعمال حربية تقرر واشنطن المبادرة إليها في هذه البقعة الجغرافية أو تلك، حسب بوصلة مصالحها، من منطلق التعامل بالمثل.
من هنا، وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل الكبير والحاسم على الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلا أن القيادات السياسية والعسكرية والنخب المثقفة في تل أبيب ظلت ترفض بشكل مطلق فكرة عقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
وحتى نتنياهو ذاته عبر عن رفضه لفكرة تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة في كتابه «مكان تحت الشمس»، الذي ألفه قبل انخراطه في العمل السياسي.
فعلى الرغم من أن إسرائيل رابع قوة نووية في العالم وأكبر قوة عسكرية في المنطقة، ورغم حيازتها بنى عسكرية وتقنية وسيبرانية متطورة جدا مقارنة بالدول في المحيط، فأن حماس نتنياهو لعقد تحالف الدفاع المشترك يعكس، في الواقع، تراجع ثقته بقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها عندما تحين ساعة الحسم.
في الحقيقة هناك العديد من العوامل التي هزت ثقة نتنياهو بقدرة إسرائيل على تأمين ذاتها مما دفعه لتغيير قناعاته الإستراتيجية والتحمس لعقد تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
ولعل أكثر ما عزز توجه نتنياهو إلى هذا الخيار هو عجز إسرائيل تحت قيادته، خلال العقدين الماضيين، عن حسم حروب ومواجهات عسكرية مع قوى ومنظمات لا تحوز على مقدرات الدولة، كما تكرس ذلك في الحروب والمواجهات التي اندلعت بين جيش الاحتلال وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على الرغم من أن موازين القوى العسكرية تميل بشكل جارف لصالح تل أبيب.
وتتخوف قيادة تل أبيب من تفجر مواجهة متعددة الساحات، تكون إسرائيل خلال عرضة للاستهداف من أكثر جبهة حدودية.
وحسب التقديرات التي تسربها القيادات العسكرية الإسرائيلية إلى وسائل الإعلام في تل أبيب فأن فرص تحقيق جيش الاحتلال مكاسب في حرب متعددة الساحات ستكون متدنية إلى حد كبير.
فضلا عن ذلك، فأن التحولات التي طرأت على ساحات الحروب ووسائلها جعل إسرائيل تدفع أثمانا باهظة نتاج اندلاع مواجهات عسكرية مع أعدائها.
فعلى سبيل المثال، فأن استخدام الصواريخ في المواجهات العسكرية فاقم المخاطر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
فالواقع الجيوبوليتيكي جعل الثقل الديموغرافي والبنى العسكرية والمدنية الحيوية والحساسة في إسرائيل تتركز في قطاع ضيق على الساحل مما فاقم المخاطر الناجمة عن استهداف هذا القطاع بالصواريخ.
ونظرا لأن بعض أعداء إسرائيل، مثل حزب الله وإيران، يحوزون على ترسانة صاروخية تجمع بين المدى الطويل والرؤوس الثقيلة ودقة الإصابة العالية، فأن هذا يجعل أي استهداف للعمق الإسرائيلي ينطوي على مخاطر هائلة.
إلى جانب ذلك، فأن نتنياهو يفزع من إمكانية أن تفقد إسرائيل تفوقها النوعي غير التقليدي، بحيث تتحول دول أخرى في المنطقة إلى قوى نووية.
فعلى سبيل المثال، لا خلاف في إسرائيل على أن الاستراتيجية التي بلورها نتنياهو بهدف إحباط المشروع النووي الإيراني بالتعاون مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فشلت فشلا ذريعا.
فقد باتت إيران تحوز على مكانة دولة «على حافة قدرات نووية«، بحيث أن حصولها على السلاح النووي يتوقف حاليا على اتخاذ قياداتها الدينية والسياسية قرارا بذلك.
في الوقت ذاته، فأنه حتى لو حافظت إسرائيل على فرادتها كقوة نووية وحيدة في المنطقة فأن هذا لن يسعفها في حال تمكنت جيوش دول أو عناصر منظمات من اقتحام حدود فلسطين على نطاق واسع؛ حيث أنه لن يكون من الطائل استخدام السلاح النووي عندما يتمكن العدو من اجتياز الحدود على نطاق واسع والوصول إلى العمق الإسرائيلي.
من ناحية ثانية، يعي نتنياهو حقيقة أن تحولا كبيرا طرأ على المنظومة القيمية التي يحتكم إليها المجتمع الإسرائيلي عكسه تراجع دافعية الجمهور الإسرائيلي للتضحية من أجل الدفاع عن «الدولة».
وهذا ما يفسر نكوص الكثير من الشباب عن التطوع للخدمة العسكرية في الوحدات القتالية التي تنطوي الخدمة فيها على مخاطر، فضلا عن عدم تردد أولياء أمور الجنود عن الاحتجاج على الحكومة وقيادة الجيش عندما يسقط أبناؤهم قتلى في ساحة المعركة أو نتاج عمليات المقاومة الفلسطينية.
ومما لا شك فيه أن تفاقم الاستقطاب الداخلي والصدع المجتمعي الذي تفجر في أعقاب طرح خطة التعديلات القضائية أفضى إلى حدوث مزيد من التراجع على دافعية واستعداد الجمهور وضمنه جنود وضباط الجيش، للتضحية من أجل الدفاع عن هذا الكيان.
وقد عكس هذا الواقع إعلان آلاف الضباط والجنود عن توقفهم عن أداء الخدمة العسكرية في الجيش احتجاجا على خطة التعديلات القضائية.
كل هذه العوامل مجتمعة مست بشكل كبير بثقة نتنياهو في قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بقدراتها الذاتية مما جعله متحمسا لعقد حلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
يعي نتنياهو أن اعتراض القيادتين العسكرية والاستخبارية على تدشين تحالف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة سينزع الشرعية الداخلية عنه وسيعيق تحقيقه في النهاية مما جعله يضغط على هاتين القيادتين للموافقة على هذا المسار.
من السابق لأوانه معرفة توجهات القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية الحالية من مسألة التوصل لحلف دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
لكن هناك ما يدلل على أن تحولا قد طرأ أيضا على قناعات هذه القيادات من عقد هذا التحالف.
فحسب ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية فأن رئيس أركان الجيش السابق أفيف كوخافي كان مؤيدا لفكرة تحالف الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة.
بغض النظر عن مآلات سعي نتنياهو للتوصل إلى هذا التحالف، فأن مجرد هذا التوجه يشي بانعدام ثقة القيادة في تل أبيب بقدرة إسرائيل على الدفاع عن ذاتها.