المثل القائل «الطير يأكل النمل، فاذا مات أكله النمل» حكمة مؤثرٌة أعجبتني حقا، ونحن نمر بمراحل تزداد فيها الأمور صعوبةً وتعقيدا يوما بعد يوم. نعيش اليوم في عالمٍ يأكل فيه القوي الضعيف، وتُسفك فيه الدماء، وتُنتهك فيه الكرامة، وتُسلب الحقوق، ويزداد فيه الأغنياء ثراءً والفقراء فقرا. إنه عالمٌ ينقسم فيه المجتمع إلى طبقتين: الأغنياء والفقراء، مع تلاشي الطبقة الوسطى يوما بعد يوم.
الحياة على الأرض نظامٌ إلهيٌّ مُتقن الخلق. لقد وهبنا الله تعالى نظاما لا تنام فيه المخلوقات جائعةً أبدا. هذا هو النظام البيئي Ecosystem حيث تتغذى الطيور على الحشرات، وتتغذى الحشرات على الفطريات أو ما هو أصغر منها، ويُمثل هذا المثال دورة الحياة والطبيعة، حيث تتغذى الكائنات الحية على بعضها البعض، حيةً كانت أم ميتة. أما النظام البيئي الذي خلقه البشر فهو نقيض النظام الإلهي، إذ فقد ثوابته ومبادئه.
بشكل عام نجد اليوم في مجتمعنا أنواعا عديدة من الطيور، أو بالأحرى الجوارح التي ارتقت على أكتاف هذا الشعب ونالت المناصب والمكاسب، لكنهم نسوا من أوصلهم إليها. تتغير الأحوال، ولا ينبغي لأحد الاستخفاف بالآخرين. تتغير القوة والسلطة والمكانة بمرور الزمن، فالقوة والمناصب لا تدوم، وإن مر الزمن، والتاريخ شاهد على ما جرى للملوك والطغاة والظالمين. فلا تصدقوا الأيدي التي تصفق لكم، ولا الهتافات التي تُرفع تكريما لكم، فالسلطة والمكانة ليستا أبديتين، بل قد تتغيران جذريا. تذكروا قول نوري سعيد، رئيس وزراء العراق (١٩٥٤–١٩٥٧): ” الأيدي التي تصفق لي ستقوم بسحلي في الشوارع يوما ما”. لا تستهينوا بالآخرين مهما كانت ظروفهم. قد تكونوا أقوياء اليوم، لكن تذكروا أن الزمن أقوى منكم. هذه الحكمةٌ ليست فقط لأصحاب السلطة، بل أيضا لحثّ الناس على عدم اليأس والاستسلام، فالظروف لا تدوم. كم من صبور بائسٍ حقق ما يصبو إليه بصبره وتمسكه بمبادئه؟ كم من فقيرٍ لم يلجأ الى الأغنياء، بل ثابر وصمد حتى حقق الله له ما أراد.
أما فيما يتعلق بالوضع التركماني، وبما أننا اليوم على أبواب الانتخابات، فإنني أدعو الجميع إلى توحيد الصفوف وتطهير القلوب والعمل على إصلاح الخواطر التي أعرضت عن السياسيين، فلا يغتب بعضكم بعضا، كما أمرنا الله تعالى في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) -الحجرات: 12 أدعو الجميع لتذكر نصيحة أوغوز خان لأبنائه الأربعة، حيث أعطى كل واحد منهم سهما وطلب منهم كسره، فكسروه، ثم أعطى كل واحد منهم أربعة سهام، لكنهم لم يستطيعوا كسرها، هذه السهام رمزٌ للوحدة. لو كنا سهاما فردية، لكان من السهل كسرنا وتهميشنا. أما لو كنا حزمةً من السهام، فلا أحد يستطيع كسرنا أو تجاهلنا أو تهميش حقوقنا. الشعب متشوق لرؤية هذا الاتحاد، فكونوا كالماء الذي يسقي النبات. تذكروا أن الطير يأكل النمل، فاذا مات أكله النمل!!!