الثلاثاء أكتوبر 1, 2024
أقلام حرة

د. عاصف سرت توركمن يكتب: دروس في التأثيرات السياسية على الساحة التركمانية

الحلقة التاسعة:

الأتراك والسياسة.. الدروس المستفادة من سياسة الإمبراطورية العثمانية…

يَنتسب العثمانيون الى قبيلة «قايي Kayı» التركمانية التي تنحدر من سلالة الأوغوز (الغز)، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسس الإمبراطورية «عثمان أرطغرل» الذي وُلِد في مدينة (سغوت Söğüt) التابعة لولاية (بلجيك Bilecik) في تركيا الحالية سنة (1258م) (1).

استوطن العثمانيون منطقة «أسكي شهر Eskişehir» في بلاد الأناضول للفترة ما بين (1301-1303م) واستطاع عثمان أرطغرل أن يجمع جميع القبائل والعشائر في بلاد الأناضول ليؤسس الإمبراطورية العثمانية التي حكمت في ثلاثِ بقاع من الأرض (آسيا وأوربا وأفريقيا). وشمل الحكم العثماني الأمصار الإسلامية كلها، وامتد حكمهم على أوسع رقعة من مساحات تلك الأمصار، وكانت الخلافة العثمانية تحرص على مساعدة المسلمين في كل بقعة، وتعد نفسها مسئولة عنهم وحاميتهم (2).

بدأت الدولة العثمانية بفرض سيطرتها على بلاد الأناضول وخاضت حروب عديدة مع جيوش البيزنطيين انتهت بفرض العثمانيين السيطرة الكاملة على بلاد الأناضول، وسيطروا على مدينة «بورصة Bursa» وجعلوها عاصمة الخلافة العثمانية.

توفي «عثمان أرطغرل» سنة (1326م) قبل فتح مدينة البورصة، ولُقَّب بلقب (الغازي). وقد فُتحت القسطنطينية عام (1453م) في زمن السلطان (محمد الثاني) الذي لقب بلقب «الفاتح»، ومن ثم تواصلت الفتوحات الأوربية حتى وصلت إلى «فينا»، وتمت السيطرة على بلاد البلقان، وتم نشر الدين الإسلامي الحنيف، وتحولت العاصمة العثمانية من بورصة إلى إستانبول بعد فتحها (3).

إن الحلم الذي رآه «الوغ تورك» وما قام به «أوغوز خان» بتخطيط للمستقبل، كان مؤشر على التوقع والأمل والغرض، وأن فلسفة تأسيس الدول التركية تستند على هذا الحلم.

وقد حقق «عثمان غازي» مؤسس الدولة العثمانية حلم «أوغوز خان» في الأناضول وأنشأ دولة عظيمة بفضل ثقافة عميقة الجذور.

وكان «غازي عثمان» يتردد كثيرا إلى مقر إقامة الشيخ «أدبالي Edebalı» ويبدي لآرائه التقدير والاحترام، وزاره ذات ليلة في مدينة «أسكي شهر» وبات في المكان، ورأى في منامه أن القمر قد خرج من صدر الشيخ على شكل هلال وبدأ الهلال بالتحول حتى أصبح بدرًا ودخل صدره، وأن شجرة كبيرة قد خرجت من صدره وبدأت بالنمو حتى أصبحت شجرة ضخمة امتدت فروعها إلى جميع أنحاء الأرض، وأن الناس قد اجتمعوا تحت ظلها ؛ وقال له الشيخ بعد أن قصّ له رؤيته:

«يا بني أنت عثمان ابن أرطغرل غازي، ستصبح سيداَ على قومك بعد والدك، وأن النور الذي خرج مني إليك هو انك ستتزوج من ابنتي «مالهون خاتون Malhun Hatun» (رابعة بالا خاتون Rabia Bala Hatun)، وسيولد من نسلكم الخلفاء والسلاطين، وستجمعون العديد من الدول تحت خيمتكم، وسيكون نسلكم وسيلة لدخول الناس إلى الإسلام، يا بُني عثمان، إن الله تعالى شأنه قد وهب السلطة والحكم لك وللذين من بعدك من نسلك، ومبارك عليكم هذه الهِبة، ولتكن ابنتي زوجة لك ؛ وكان الحلم الذي رآه «عثمان غازي» تكملة لحلم «أوغوز خان».

ونستنتج من هذه المقدمة البسيطة عن كيفية نشوء الدولة العثمانية التي تحولت بالتدريج إلى إمبراطورية كبيرة بعض الدروس التي يجب تطبيقها من قبل السياسيين منها : أن القائد يجب أن يكون مسئولا عن رعيته، ويدخل تحت هذه المسؤولية مساعدة الرعية وحماية وتحقيق حقوق الرعية وتوفير شروط العيش الرغيد للرعية، ولا يمكن تحقيق هذه المسؤولية إلا عن طريق التوقع والأمل والغرض. فمكونات الشعب العراقي بصورة عامة والتركمان بصورة خاصة قد حُرِّموا من أبسط حقوقهم في عهد السلطة السابقة، ولكن طبقت بعض المكونات سياسة حكيمة وهي التوقع لما قد يحصل في المستقبل، وعليه قاموا بتخطيط خطط مستقبلية لغاية الوصل إلى الغرض وهم متأملين تحقيقها، فأين الأحزاب والسياسيين التركمان من هكذا تخطيطات؟ وأين القائد الذي يجب عليه حماية حقوق الرعية؟

وأين القائد الذي قام بمساعدة الرعية ووفر للشباب العاطلين عن العمل وحملة الشهادات فرص العمل؟ وأين القائد الذي قام بتوفير شروط العيش الرغيد للرعية وقام بإنشاء المعامل والمصانع لتوفير العمل لشباب التركمان؟

وأين تذهب كل هذه الأموال التي خصصت للأحزاب السياسية؟ وأين هو القائد الذي قام بالتخطيط للمستقبل ووضع إستراتيجية خاصة بالعمل السياسي؟ كل هذه الأسئلة يجب على السياسيين الإجابة عليها وليست الرعية، لأن الرعية سوف لن يسكتوا عن سبب الحالة التي آلت اليها القضية التركمانية وسيقومون بمحاسبة السياسيين الذين فشلوا في بغداد وفي كركوك وفي جميع مناطق تركمان إيلي، وينطبق على الشعب المثل العربي القائل «لقد بلغ السيل الزبى».

لقد وصلت الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عليها، فقد نفذ صبر الرعية ؛ لأنّهم لم يتوقعوا أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فقد فاقت التوقّعات والحسابات، وأنه حان الوقت ليسأل الرعية السياسيين هذا السؤال:

من أين لكم هذا؟ وما هذا الثراء المفرط ؟ وأين ذهبت الأموال التي خصصت للأحزاب؟ وماذا عن الصفقات التجارية المخفية التي عقدتموها مع بعض الأطراف؟ وماذا قدمتم للشعب خلال هذا العقد من الزمن؟ والله لقد أحرقتم الأخضر والبابس.

وأختتم المقالة بشرح القصة التي تقف وراء المثل القائل «لقد بلغ السيل الزبى»، لي يفهمها السياسيون ويعملوا بها ويستنتجوا منها الدروس والعبر.. والقصة تبدأ بأن رجلًا كان يعمل في صيد الأسود، فقام بحفر زُبْيَة عميقة على إحدى الروابي، وقام بتغطيتها بالأغصان الخضراء ووضع فوقها الطُّعْم الذي سيخدع به الأسد، وما أن يقف الأسد فوق هذه الأغصان حتى يسقط في الحفرة بسبب ثقل جسمه وبذلك يتم اصطياده، ولكن ما حصل مع الصياد ذات يوم أن أمطرت السماء مطرًا غزيرًا وسالت السيول وارتفع مستوى الماء حتى وصل تلك الرابية العالية وطمرت الزُبْيَة وامتلأت بالماء فأفسدت على الصياد صيد الأسد.

إذن يجب على السياسيين الإقتداء بجميع الدروس والعبر من أسلافهم، وأن يتعلموا فن السياسة، وأن يتصفوا بصفتي الإرادة والذكاء كما قال الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (1632 – 1677):

إنَّ الإرادة والذكاء وجهان لعملة واحدة.. ويضيف عليها ونستون تشرشل (1874-1965) عنصر الجهد المتواصل الذي كان مفتاح إطلاق قدرات البريطانيين الكامنة.

على أمل اللقاء بكم في الحلقة القادمة: الأتراك والسياسة.. الدروس المستفاد من أنواع السياسة التي اتبعتها الإمبراطورية العثمانية.

المصادر:

(1) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، العهد العثماني، ج 8، ط 4، ص60، المكتب الإسلامي، بيروت 2000م.

(2) محمود شاكر: المصدر نفسه، ج 8، ص 5.

(3) Ahmed Akgündüz and Said Öztürk: Ottoman History: Misperceptions and Truths, sayfa 124, IUR press, Rotterdam 2011.

Please follow and like us:
د. عاصف سرت توركمن
ممثل الجبهة التركمانية العراقية السابق في بريطانيا ثم أمريكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب