الثلاثاء أكتوبر 1, 2024
مقالات

د. عاصف سرت توركمن يكتب: شجرة العنب تعاتب الورد

كنتُ أعملُ في مشتلي الصغير عند مدخل باب منزلي في يوم ثلجي عاصف، وأنا أسقي ورود إبرة الراعي (الجيرانيوم) أو السعدونية بالتركمانية، ولفت انتباهي غصنٌ من أغصان شجرة العنب الذي زرعته في الحديقة الأمامية، وقد التفَّ حوله كتلة ثلجية مدلاةٌ نتيجة انخفاض درجات الحرارة إلى تحت الصفر. ونظرتُ إلى شجرة العنب وقد جُرِّدتْ من أوراقها وهي تقاوم البرد القارص، وتذكرتُ حالها في فصل الصيف، وبعناقيد العنب المتدلية من أغصانها، وحفزني هذا المنظر على كتابة هذا المقال والحوار الذي دار بين شجرة العنب وورود السعدونية.

فتقول شجرة العنب لورود السعدونية: أنتم في هذا الدفء مُنعَّمون، ولا يرى جمالكم أحد، فتُخفُون ألوانكم الزاهية لصاحبكم فقط بينما أنا فيراني كل المارة من أمام المنزل فيشعرون بالحزن تجاهي، فتردُ عليها وردة من ورود السعدونية: من قال لك أن تَنبُتي في الحديقة؟ كان عليكِ أن تختاري مكاناً لتحتمي من الثلج وتقي نفسكِ من البرد.

وقادني هذا الحوار الى كتابة هذا المقال وربطه بالوضع الحالي الذي يعيشه التركمان بصورة خاصة والشعب العراقي بصورة عامة. فشجرة العنب يُمثل أفراد الشعب التركماني الذين بقوا خارج العملية السياسية، ولا يُعير لهم أحد أي اهتمام يُذكر. أما ورود السعدونية فهم الذين ركبوا سفينة النجاة، ونجوا بأنفسهم من الغرق وهم الساسة وعوائلهم وأقاربهم. وما أقصده هنا هو أن َّ الساسة وعوائلهم وأقاربهم يعيشون في ترف ونعيم، فهم الذين أوصلهم الشعب التركماني الى هذه المناصب، وانتخبوهم ليمثلونهم في البرلمان وفي الحكومة العراقية، وظنوا أنهم سيقومون بخدمتهم والحصول على حقوقهم المشروعة. ولكنهم خدعوا الشعب بخطاباتهم النارية التي تخلومن المصداقية، وكل ما جرى هو العكس، فقد كان جُلَّ اهتمامهم بأنفسهم وفي مصالحهم الشخصية وفي كيفية الحفاظ على كراسي الحكم، وفي كيفية جمع الثروات عن طريق الدخول في الصفقات التجارية في العراق وفي دول الجوار، وقبضوا ملايين الدولارات خلف الكوالي مقابل السكوت عن بعض القضايا التي تخص التركمان.

فإذا تناولنا موضوع البطالة فإنها تحتاج إلى مجلدات للكتابة عنها، فشبابنا جميعا ً سواء من حملة الشهادات أومن الكسبة والطبقة العاملة فيعانون من الفقر والحرمان، ويتحسرون على العمل، بينما أبناء الساسة في ترفٌ ونعيم، وكل له وظيفته وعلاقاته التجارية، واستثماراتهم خارج العراق، وأبنائهم يدرسون في الجامعات التركية وفي بعض دول الجوار على حساب هؤلاء الشباب العاطلين. فلوقارنا عدد الطلبة الذين اُرسِلوا إلى تركيا للدراسة فنجد أن الأغلبية هم من أبناء وأقارب الساسة ومريديهم، بينما حُرِّمَ الأكفاء من أبنائنا وشبابنا من هذا الحق، وبدؤا بالبحث عن أبسط الأعمال لكسب قوتهم اليومي.. فواللهِ فإنَّ العين تدمع بل تذرف دما ُ لحال هؤلاء الشباب وخاصة من حملة الشهادات وهم يقفون في طوابير الباحثين عن العمل في الإنشاءات أوأي عمل يسُّد قوتهم اليومي. وقد قابلتُ عددا ً من هؤلاء الشباب الذين أعرف عوائلهم وأفادوا: «لا يوجد مُعيل لنا غير الله.. فلا أحد يهتمُ بنا.. فنحن الشباب طموحاتنا كثيرة، ونريد أن نبني مستقبلنا… فمتى نتزوج ونكون عائلة خاصة بنا؟ ومتى يكون لنا بيتا ً؟ فلا مستقبل لنا هنا، وعليه فنحنُ نفكر دائما بالخروج من العراق.. فنحن من انتخبنا الساسة، وهذا ما جنيناه منهم، فلا يُلدغُ المؤمن من جحرٍ مرتين.. فسوف لن ننتخبهم مرة أخرى أو سوف لن نشارك في الانتخابات القادمة».

أليست هذه هي المعظلة الكبرى؟ فإن مستقبل الأمة مرهونة بشبابها، وإذا كان هذا هوواقع حال الشباب بسبب فشل الساسة الذريع فإقرؤوا على الأمة السلام. إذن فالبطالة إن لم يتم التعامل بها جدية فإنها ستؤدي إلى فتح باب الهجرة، والى نقص نفوس التركمان في كركوك بصورة خاصة، بينما نجد أن الساسة من غير التركمان يعملون بكل جد من أجل بني جلدتهم، ويفسحون لهم فرص العمل الحكومية أو الأهلية وأن أعدادهم في تزايد مستمر في كركوك، فأين الساسة التركمان من هذه العملية؟

فشباب التركمان مثل شجرة العنب يعصفُ بهم الرياح العاصفة ولكنهم صادمون، وينتظرون قدوم الربيع لتخضر أوراقها من جديد… فلا تهتموا أيها الشباب وإصبروا وصابروا ورابطوا فالربيع التركماني قادم إن شاء الله…

Please follow and like us:
د. عاصف سرت توركمن
ممثل الجبهة التركمانية العراقية السابق في بريطانيا ثم أمريكا
قناة جريدة الأمة على يوتيوب