هذه السنوات على صعوبتها بالغة الدلالة. ففي أوقات التيه وفقدان الثقة في النفس، وتفكك عرى الأمة والجماعة البشرية، تحدث انتكاسات عدمية يقع فيها عدد غير قليل من الناس.
في عام 2005 كانت الحرب الأهلية قد عادت مجددا إلى الصومال ووضعت عشرات آلاف من البشر على شفا الموت والجوع والحصار. سافرت وقتها إلى بلد عربي للمشاركة في مؤتمر جغرافي دولي.
في استراحة بين الجلسات اجتمع نفر من بني العرب وأتوا على ذكر الحرب في الصومال وإذ بهم يطلقون على ذلك البلد المنكوب نكاتا وقحة ذات دلالات جنسية ويغرقون في الضحك متجاهلين كل الآلام والموتى والجوعى.
أشفقت عل هؤلاء المعلمين الجامعيين المهزومين حتى النخاع المجردين من كل حس إنساني …الغارقين في ملذات الدنيا.
هذه الأيام في عام 2025 أتابع على وسائل التواصل صفحات لأصحاب أقلام كان من المفترض بهم أن يكونوا كتابا ومفكرين ودعاة تنوير حقيقي.
مع علامات الانحسار والانكسار التي يعاني منها الجميع انزلق هؤلاء إلى إغراق صفحاتهم بمحتوى وقح وضيع يمزج بين النكات الجنسية واللهو العدمي.
أشفق عل هؤلاء أيضا وأثق أنهم ضعيفي العزم، وتفسيري لمسلكهم أنه يداخلهم شعور قاطع بأن رحلتهم انتهت وأن النهاية الخاسرة قد جاءت بدون رجعة.
لا يجب لصاحب قلم أو معلم مدرسي أو جامعي أن ينزلق إلى هذا. لو كان قرأ التاريخ وفهم الجغرافيا لعرف أن الأيام دول، والشعوب بين انكسار وانحسار أو صعود وازدهار.
الدول التي تتزعم العالم اليوم كانت من قبل لا تعرف إلا الغارات واللصوصية وقطع الطريق، يعيشون في بربرية همجية، وكونوا ثرواتهم من نهب الشعوب الأضعف. وهذه هي دورات الصعود والهبوط في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك.
لا يليق بصاحب قلم أن ينزلق إلى محتويات عدمية وإباحية وجنسية رخيصة اعتقادا بأن اللحظة هي لحظة هزيمة وعدم وأن أمته ضاعت وغابت وهامت ..من دون رجعة.
ما نشهده هو موجة انحدار على خط الزمن ..لا بد أن تمضي وتعبر ..وتأتي بعدها موجة صعود، ليس بالضرورة في حياتنا أو حياة أبنائنا..لكنها آتية من دون ريب.