مقالات

د. عاطف معتمد يكتب: جغرافيا للأطفال!

في عام 1994 نظم عدد من الجغرافيين المصريين مؤتمرا عالميا عن الصحاري المصرية. أشرف على تنظيم المؤتمر د. نبيل إمبابي و د. محمود عاشور من جامعة عين شمس وعاونه أعضاء قسم الجغرافيا من تلاميذهم الأحدث عمرا كان في طليعتهم د. عبد الفتاح صديق.

وقد وشارك أكثر من 30 جغرافيا مرموقا في مصر في هذه الرحلة الصحراوية التي دامت أسبوعين، فبينما ساند رئيس الجمعية الجغرافية العلامة د. صفي الدين أبو العز، شارك آخرون في السفر إلى الصحراء مع فريق الرحلة وكان في مقدمتهم العالم الراحل د. علي عبد الوهاب شاهين من جامعة الإسكندرية والعالم الجليل بارك الله في عمره وعافيته د. السيد الحسيني من جامعة القاهرة.

كنت قد عينت معيدا قبلها بثلاث سنوات في جامعة القاهرة. وتم اختياري ضمن 10 من الباحثين الشباب للتعلم من الأساتذة العظماء الكبار وخاصة أنه قد شارك في المؤتمر نحو 20 باحثا عالميا من دول الشرق والغرب.

أذكر من الشباب العشرة الذين صاروا أعلاما اليوم في جامعاتهم د. أشرف يسن في جامعة الفيوم ود. محمود خضر ود. أحمد الفقي في جامعة عين شمس، علاوة على الزميلين العزيزين من جامعة القاهرة أ.د. متولي عبد الصمد ود. أحمد محرم.

من بين الباحثين الأجانب كان هناك عدد من الأسماء من فرنسا وانجلترا. وكنا ونحن باحثين مبتدئين نقرأ أسماءهم فقط على أغلفة الكتب الأجنبية ولا نصدق أنفسنا وقد صرنا نأكل معهم ونشاطرهم العمل والدعابات خلال الأسبوعين.

لكن حدثا فريدا وقع في تلك الرحلة غير مفهومي عن ثنائية «النظرية والتطبيق».

كان أحد هؤلاء العلماء الأجانب قد ألف كتابا عن الصحاري والأراضي الجافة، وكتابه هذا منتشر في العالم كله.

لكنه أدهشني حين كنا نمر على أحد الكثبان الرملية فإذ به يصيح كالأطفال ويطلب من د. عاشور ود. نبيل إمبابي إيقاف الرحلة للنزول إلى المكان فورا والتعرف عن قرب على هذه الأشكال الفريدة التي ألف عنها كتبا نظرية.

وقد تذكرت هذه القصة القديمة مؤخرا خلال أحدث رحلاتي في الصحراء الغربية حين تمكنت من التقاط هذه الصورة المدرسية النموذجية لأحد الكثبان الرملية التي نسميها كثيان «هلالية» أو «برخانية».

ولكل كثيب قرنان يشيران إلى اتجاه الرياح أو منصرفها، أي أن معرفة هذه الكثبان هي ذاتها بوصلة للسفر في الصحراء، فالقرون تشير عادة إلى الجنوب والجنوب الشرقي.

والحقيقة أن صحراء مصر فيها من المشاهد ما يجعل الوافد والمقيم يصيح كالأطفال حين يرى بعضها ممتدا أمامه وكأنه مرسوم في كراسة الرسم المدرسي أو على سبورة الفصل.

د. عاطف معتمد

أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى