أقلام حرة

د. عاطف معتمد يكتب: «كلابشة».. الهجرة إلى الشمال!

قبل إنشاء السد العالي في ستينيات القرن العشرين وما ترتب عليه من تكوين بحيرة ناصر محل بلاد النوبة، كان لدينا في خريطة مصر موقع جغرافي واحد أحد، لا شبيه له يسمى «كلابشة».

 لا يبدو أن مفردات: كلابشة وكلبوش وكلابشات ذات أصل عربي، بل الأرجح أنها من لغة أهلنا في النوبة.

ويبدو أن الكلمة دخلت لغتنا العربية المعاصرة مع دلالة وضع يد السجين في الكلابشات أي في القيود والأصفاد والحبس، وهذا ما كان عليه موضع نهر النيل الضيق المخنوق في كلابشة في النوبة القديمة.

مع تشييد السد العالي وارتفاع مياه البحيرة غرقت أرض النوبة ولم يعد للخانق الضيق الأصلي وجود في نهر النيل بل أصبح مسطحا مائيا فسيحا من مياه النيل في خزان البحيرة.

في الموقع الأصلي كان هناك معبد مصري قديم تواترت عليه الحضارات اللاحقة ولا سيما في العصر اليوناني-الروماني.

وضمن الجهود التي أقامتها مصر واليونسكو لإنقاذ آثار النوبة تم تفكيك المعبد ونقله إلى الشمال من موقعه الاًصلي بنحو 40 كم.

غرق الموقع القديم لكلابشة، وتم رفع المعبد فوق جزيرة صخرية تقع إلى الجنوب مباشرة من السد العالي.

أما سكان قرية كلابشة من أهلنا في النوبة فتم نقلهم إلى أراضي الاستصلاح الجديدة في سهل كوم أمبو وأقيمت لهم قرية تحمل اسمهم «كلابشة»، من بين قرى أخرى عديدة انتقل أهلها الكرماء من النوبة الأصلية محبة ومشاركة عن طيب خاطر في تأسيس نهضة مصر الحديثة.

على هذا النحو أصبح لدينا على خريطة مصر ثلاث مواقع لـ«كلابشة»:

🔘 خانق النيل القديم الذي غرق الآن تحت مياه البحيرة وانتقل من الجغرافيا إلى الجغرافيا التاريخية والأركيولوجيا.

🔘 معبد كلابشة الذي انتقل إلى الشمال من الموقع الأصلي.

🔘 قرية كلابشة في كوم أمبو حيث قرى التهجير والتي تبعد 120 كم إلى الشمال عن القرية الأصلية.

وكما ترى فإن كلابشة هاجرت نحو الشمال، والطريف أن شطرا من كلابشة هاجر إلى الشمال أكثر نحو أوروبا، وذلك لأن ألمانيا التي ساهمت بتمويل مشروع نقل المعبد من موقعه القديم قبل الغرق إلى موقه الحالي احتفظت لنفسها ببوابة المعبد الذي تم نقله إلى متحف برلين، وأصبح درة وفخر القطع الأثرية المصرية المنقولة من بلاد النيل إلى بلاد الشمال، بعيدا عن موقع كلابشة الأصلي بنحو 4 آلاف كم.

د. عاطف معتمد

أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى