د. عامر الخميسي يكتب: ماذا قدم الزنداني لليمن؟
عشر كاملات في إنجاز فرد بأمة
سؤال سألني إياه بعض القراء بعد مقدمة مفادها أنه ليس عالما وما هو إلا متخصص في الإعجاز ضاربا صفحا عن إنجازاته التي عرفها الشرق والغرب وحسبي في هذه العجالة أن أضع بعض النقاط المختصرة في الإنجاز الذي حققه الشيخ الزنداني في عمره المبارك الذي نيّف على الثمانين..
وفي البداية أحب أن أقول لك حقيقة غائبة عن الكثير وهي أن الزنداني قدم لليمن ما لم يقدمه علماؤها مجتمعين وذلك من خلال:
• نشر العلم الشرعي منذ سبعينيات القرن الماضي من خلال استقدام العلماء المجتهدين من كافة البلدان العربية واستضافتهم حتى يستفيد منهم طلبة العلم في كافة أنحاء اليمن، وكان همه الوحيد وشغله الشاغل كيف ينشر العلم ويحيي رسالته ويقيم حججه ويبعث هامده وقد استضاف كبار علماء العالم الإسلامي من دولة العراق وموريتانيا ومصر والسودان وأفريقيا والحجاز واستفاد منهم عشرات الآلاف من الطلاب وتلقوا عنهم العلوم الشرعية، وبنى لذلك المعاهد ومدارس التحفيظ والمراكز الشرعية ووزع طلابه على دور القرآن وأقام الحلقات العلمية.
وبخطابه الإيماني المؤثر وعاطفته الجياشة وأسلوبه المميز وحجته البالغة وموسوعته الفكرية وقوة إقناعه استحق أن يكون شيخ الدعاة في اليمن وإمامهم وقائدهم لنصف قرن مضى وحسبك أنه نشر التدين في كل قرية وصقع من أصقاع اليمن ولا يوجد مدرسة ولا معهد ولا مركز علمي في اليمن إلا وللزنداني فضل عليه.
وبتأسيسه وتأصيله علم الإعجاز العلمي يستحق بل يجب أن يرقى إلى مصاف كبار المجددين في عصرنا من أمثال الندوي والمودودي وابن باز والقرضاوي وابن عاشور.
• إحياء ما أماتته الإمامة التي جثمت سنين طويلة على صدر الشعب اليمني حتى حولته إلى كومة من الخرافات و الأساطير والخزعبلات فقد سعى الشيخ الزنداني إلى القضاء على كل خرافة وبدعة بمعول الحق الصراح ساعده في ذلك همة عالية وعزيمة ماضية وقوة في الحق وصلابة في الدين لا يخشى معها أحد وهو من دعاة السنة الكبار يعرف ذلك من خلال كتبه ومحاضراته ودروسه والتعامل معه والقرب منه فالشيخ حريص أشد الحرص على السنة والعمل بها وهو ممن يأخذ بالعزائم لا الرخص، وساهم مجتهدا غاية جهده في الحفاظ على قيم الثورة ومحاربة التعصبات القبلية والسلالية والطائفية والمنطقية عبر عدد من رحلاته التي طاف بها شرق اليمن وغربه، وقاد مواجهات عديدة عالميا وإقليميا ومحليا للدفاع عن شمولية الإسلام وعقلانيته في وجه العلمانية والملاحدة، ونشر السنة في عموم أنحاء اليمن حتى قضى في ثلاثين سنة على خرافات متجذرة من مئات السنين وأصبحت كراسي الزيدية المتعصبة تتهاوَى تحت ضرباته العلمية المُسددة لذا كان أول هدف للحوثيين إغلاق جامعة الإيمان التي عم نفعها اليمن قاطبة بل العالم الإسلامي كله.
• إرساء منهج شرعي رصين قويم لكافة طلاب اليمن في مدارسها وكان يجتهد غاية اجتهاده في أن يطّلع على الكتاب الذي يخطه بيمينه مائة عالم من علماء اليمن زيادة في الحرص على أن تكون العملية التعليمية ناجحة ومناسبة لمستويات أعمار الطلاب ومراحلهم وأفكارهم ومناطقهم من شرق اليمن إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وقد دخل كتابه التوحيد كل بيت من بيوت اليمن وكل من درسوا من الطلاب ما بين سنة 76- إلى سنة 2004م فقد درسوا المناهج التي كتبها، إضافة إلى ذلك عمل وأسس مع عدد من إخوانه العلماء المعاهد الإسلامية في اليمن وساهم في وضع منهج إسلامي لها استفاد منه عشرات الآلاف من الطلاب، ومنذأن كان مدرسا لمادة الأحياء في معهد النور العلمي بحي الشيخ عثمان في عدن إلى أن أصبح مديرا للشؤون العلمية والمناهج ثم وزيرا ثم عضوا في مجلس الرئاسة ثم رئيسا لأول جامعة أهلية في اليمن كان همه كيف يخرج أجيالا متسلحة بالعلم والمعرفة.
• جمع علماء اليمن من شتى أطيافهم ومذاهبهم على خطوط عريضة للإسهام في نشر وحماية القيم الإسلامية في المجتمع والأمة بأكملها فالشيخ كان رجل أمة لا حزب وجماعة لا أفراد وهو عظيم الحرص في أن تجتمع كلمة علماء اليمن ليقولوا الحق دون وصاية من أحد لذا قام بتأسيس هيئة علماء اليمن التي كان فيها علماء من كل الأطياف والمذاهب.
وقد ساهم الشيخ من قبل في تأسيس الجمعية العلمية ثم ساهم في تأسيس جمعية علماء اليمن أول رابطة هدفت إلى جمع علماء اليمن تحت مظلة واحدة فلما أن صادرت السلطة قرارها أنشأ هيئة علماء اليمن كما سمعتُ ذلك منه.
• قام بتأسيس جامعة علمية عالمية تعنى بتخريج العلماء العاملين المؤهلين للاجتهاد في تخصصاتهم الشرعية وقد سعت هذه الجامعة لبث رسالة الإيمان في الأمة ودرس فيها أكثر من ثلاثين ألف طالب تحولوا إلى مدارس بأنفسهم لنشر رسالة هذه الجامعة وقد أمّها من كافة أقطار اليمن بل درَس فيها من كافة البلدان العربية وهي خلاصة لدراسة أكثر من منهج خمسين جامعة شرعية على مستوى العالم _ وقد أخبرني الشيخ إسماعيل عبدالباري وهو مدير فرعها في الحديدة والخبير بمناهج التعليم منذ نصف قرن – أن منهج جامعة الإيمان أقوى منهج جامعي على مستوى الشرق الأوسط، واستقدم لها أقوى العلماء من كافة أقطار البلدان الإسلامية ليؤسسوا علماء مجتهدين في تخصصاتهم مبدعين لا مبتدعين، مفكرين لا مكفرين، مصلحين لا مفسدين.
• تأسيس أول وأكبر هيئة عالمية للإعجاز العلمي في مكة المكرمة عندما كان الشيخ أستاذا في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة سنة ١٩٨٤م ومندوبا لليمن في رابطة العالم الإسلامي وقد أثمرت هذه الهيئة ثمانية عشر مكتبا فرعيا في مصر ولبنان وتركيا والمغرب وتونس والجزائر وماليزيا والنمسا الخ…وأسلم بسبب دراسات ومناهج ومؤتمرات هذه الهيئة عشرات الآلاف من الملاحدة وأهل الكتاب وطبعت ملايين النسخ من كتب الإعجاز، وقدم برنامج” إنه الحق” وفيه حاور ١٤ من رواد العلوم المعاصرة، وأقام مئات الدورات لآلاف الدعاة الراغبين في المحاضرة والبحث في مجال الإعجاز العلمي وهو بهذا قدم إنجازا كبيرا للبشرية جمعاء وليس لأهل اليمن فحسب، وقد اشتهرت دعوة الشيخ في الآفاق ووصلت دعوته وطريقة عرضه المميزة للإسلام في عصرنا الراهن عبر الأشرطة السمعية والمرئية ومن خلال العديد من الصحف والمجلات والنشرات والمطبوعات وبواسطة مؤلفاته إلى أغلب دول العالم، وترجمت آراؤه ومناقشاته العلمية إلى عدد من اللغات العالمية واستشهد بها كبار العلماء والمختصين في العلوم الكونية، وأسلم على يديه كبار البرفسورات الغربيين والشرقيين وألف بعضهم كتبا بعد إسلامه ترجمت لثلاثين لغة بل أسلم على يد الزنداني سبعة آلاف في محاضرة واحدة في موسكو فماذا أفعل لك إذا عرف هذا الشيخ العالَم وجهلتَه أنت؟
• الانتصار في أكبر معركة من معاركه وهي معركة الشعب بأكمله يوم أن كان الدستور مهيئا لأن ينص على أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع لا غير فقاد الزنداني حملة على الدستور ساعده في ذلك جماهير الشعب الغاضبة ليقود معركة كبرى انتصر فيها للشريعة ليكون الإسلام هو المرجعية الأولى والأخيرة لدين الشعب وهو الأساس والمصدر في الحاكمية ولو لم يقم حينها الزنداني قومته تلك التي كان فيها شعاره “أينقص الدين وأنا حي؟ ” لرأيت أمواج الانحلال طاغية عاتية تغرق شباب اليمن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ومنذ أن كان الزنداني أصغر نائب وزير في أول حكومة بعد الثورة -الحكومة التي عينها السلال سنة ٦٢م-؛ فجعل المروني وزيرا للإرشاد القومي والإعلام، والزنداني نائبا له وكان حينها في العشرين من عمره كان حريصا أشد الحرص على حاكمية الشريعة فقدم برنامج” الدين والثورة” على إذاعة صنعاء، ثم في منصب مدير مكتب الإرشاد في السبعينات عهد الحمدي برتبة وزير تراه يقرر المناهج لأبناء الشعب ينمي فيهم القيم ويقضي على الخرافة ثم عضوا في مجلس رئاسة الجمهورية أكبر مجلس يحكم البلد يقرر الشريعة ويحارب من أجلها وإلى اليوم كلما سمع هيعة طار على فرسه إليها.
• ما كان لعلماء اليمن رأس وقول وهيبة ومنعة حتى جاء هو فصنع لهم دولة وصولة فإذا ذكر علماء اليمن ذكر هو -حتى من معارضيه وشانئيه- فهو رقم صعب لا يقدر أحد أن يتخطاه أو يجاوزه وقد عرّف بهم في المحافل والميادين وشجعهم على الظهور والبروز والجهر بكلمة الحق حتى الشيخ مقبل رحمه الله فقد ساعده في تأسيس معهده في صعده ولم يكُن يُذكر القاضي العمراني حتى أظهره الشيخ الزنداني من مطلع السبعينات حيث كان مغمورا في زاوية من زوايا مسجده لا يعرفه إلا ثلاثون طالبا يزيدون أو ينقصون فأخرجه للناس وعرفهم به، ويذكر القاضي العمراني أنه لم يخطب في حياته إلا خطبة واحدة يوم أن أصر عليه الزنداني للتأليف بين الجمهوريين والملكيين في نهاية الستينيات أو بداية السبعينيات وفتح له جامعة الإيمان وسجّل له الدروس وكلف من يجمع فتاويه وقد عرَف القاضي العمراني له هذا الفضل فسمعته بأذني يقول – والله شاهد- حبا فيه وثقة به: «كل ما يقوله الشيخ عبدالمجيد فهي قولي لا أخرج عنه». وهو ممن عرّف بالديلمي وقاسم بحر كبير فقهاء الشافعية حيث كان في قريته مغمورا، ومحمد يوسف حربة كيث كان في تهامة لا يعرفه سوى أبناء قريته وغيرهم كثير عشرات بل مئات صنع لهم ذكرا وجماهيرا وطلابا ومجدا وحضورا في حياة الناس ونشر علمهم وأعلى صيتهم..
• قام الزنداني بإحياء رسالة الإيمان من خلال جامعة الإيمان وخطبه ومحاضراته ودروسه، ومن خلال بعوثه التي كان يبعثها وأفواجه التي كان يرسلها وزحوفه التي يطلقها في عموم أنحاء اليمن كله ومن خلال ندوة تقوية الإيمان التي كان يحضرها سنويا ثلاثمائة عالم من كافة أنحاء اليمن وخارجه حيث كان يلتقي العلماء سنويا – ولمدة أسبوع- في مؤتمر كبير هو الأكبر من نوعه على مستوى اليمن حيث يلتقي كبار طلبة العلم مع العلماء لتدارس مناهج الإيمان ومدى تأثيرها وطرق زيادتها على كافة المستويات في المساجد والمدارس والجامعات والجمعيات والملتقيات مما جعله يؤسس لنهضة إيمانية كبرى لا ولن تُمحَى من ذاكرة الأجيال، وقد أقام الندوات والمحاضرات في علم التوحيد والإعجاز العلمي ونشر شمولية الإسلام في مساجد اليمن من شماله إلى جنوبه وكانت المساجد تكتظ بالآلاف من الحضور المحبين لسماعه.
• سعى الزنداني وبقوة في الإصلاح الاجتماعي والسياسي فكم أثّر في كثير من مشايخ القبائل وارتقى بهم من مستوى مشايخ همهم التقطع للناس والسطو على أموالهم إلى مشايخ مناصرين للحق يذودون عن حماه، وقد التقيتُ بشيخ قبلي كبير ربما هو الأكبر في قبيلته فأخبرني أنه كان لا يصلي وشغله قطع الطرقات حتى دخل على الزنداني وتأثر به، ومثله المئات من مشايخ القبائل الذين احتك بهم وأكرمهم ونزل ضيفا عليهم ودعاهم إلى صنعاء وصنع فيهم بصمة لا تمحى مدى الدهر باختلاف انتماءاتهم السياسية، ثم هو أيضا أثر في القرار السياسي بثقله ووجاهته فالزنداني محنك سياسي وملهم عبقري ولا أظنه جاء بعد الإمام الشوكاني إلى اليوم ومنذ قرنين من الزمان أحد بهذه الهيبة والمكانة والدور السياسي المؤثر لعالم مثله فهو مجتهد مؤثر بكلمته التي يجتهد في إرضاء الله بها دون خوف من أحد كائنا من كان، وفتواه إن صدرت تعصف بدوائر القرار ويخشاها الحاكم ويضرب لها ألف حساب منذ سبعينيات القرن الماضي وإلى اليوم، قد توافقه أو تخالفه وقد يصيب أو يخطئ لكن حسبه أنه اجتهد ولن يعدم الأجر والمثوبة في كلا الحالتين، بقي أن تفكر ماذا قدمت لأمتك ولدينك أنت؟
تلك عشر كاملات قدّمها الزنداني لشعبه وأمته وإن عدتَ عدتُ والسلام..