السبت سبتمبر 21, 2024
بحوث ودراسات

د. عبد الآخر حماد يكتب: أبو هريرة والبخاري المفترَى عليهما

سعدتُ كثيراً حين اشتريت مجلة الأزهر لهذا الشهر (ربيع الأول 1446هـ) فوجدت معها هديةً كتاب: «البخاري المفترى عليه» للشيخ محمد نجيب المطيعي، وهو في الأصل عبارة عن مقالات كان الشيخ رحمه الله قد نشرها في مجلة الأزهر في أواسط السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم.

وكان مبعث سروري أني كنت قد قرأت بعض تلك المقالات قديماً، لكني لما بحثت عنها مؤخراً في أعداد مجلة الأزهر -التي يوجد منها لديَّ بحمد الله مجموعة كبيرة يرجع بعضها إلى أربعينيات القرن الميلادي الماضي- لم أستطع الوصول إليها، فحمدتُ الله كثيراً أني وجدتُ تلك المقالات مجموعةً في هذا الكتاب.

وفي تلك المقالات يرد الشيخ المطيعي على كتابٍ من تلك الكتب المغرضة التي راح أصحابها يسودون الصفحاتِ في التشكيك في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتشنيع على رواتها وافتراء الكذب عليهم.

واختاروا من بين كتب السنة أصحَّها وأعظمَها وهو صحيح الإمام البخاري رحمه الله، ليوجهوا إليه سهامهم المسمومة.

كما اختاروا مِن بين الصحابة الكرام أكثرَهم روايةً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه، فراحوا يطعنون في عدالته متهمين إياه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي أواخر الخمسينيات صدر كتاب لشخص انتسب مدة إلى جماعة أنصار السنة المحمدية (فصلته الجماعة بعد ذلك)، وهو محمود أبو رية، عنوانه: (أضواء على السنة المحمدية)، وفيه يطعن في صحيح البخاري، وفي الصحابي الجليل أبي هريرة، حتى زعم أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يصاحب النبي محبةً له أو طلباً لما عنده من الهدى، وإنما صاحبَه لأنه كان يُطعمه.

كما ادعي أن أبا هريرة لحرصه على الأكل ورغبته في الطعام كان يأكل عند معاوية بن أبي سفيان، ولكنه يصلي مع علي بن أبي طالب، ويقول إن الأكل مع معاوية أدسم، وإن الصلاة مع علي أفضل.

وفي كتاب آخر له عنوانه: (أبو هريرة شيخ المضيرة) يزعم أن أبا هريرة كان يحب طعاماً يسمى المضيرة (وهي نوع من الحلوى)، وأن معاوية كان يصنع له تلك الحلوى، فكان أبو هريرة يكافئه على ذلك بوضع الأحاديث في فضائل معاوية.. وهي رواية باطلة ذكرها بعض أهل التشيع من قديم، ولا يعرف لها سند صحيح.

وكيف يصح ذلك في العقول كما يقول الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله في كتابه: دفاع عن السنة النبوية (وعليٌ كان بالعراق، ومعاويةُ كان بالشام، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز..

وبهذا يتبين لنا كذب ادعاءاتهم، ويظهر لنا مدى حقدهم، اللهم إلا إذا كانت الشيعة ترى أن أبا هريرة أعطى بساط سيدنا سليمان عليه السلام أو كانت الأرض تطوى له طياً!!!)

وقد تعددت كتابات أهل الحق في الرد على ضلالات أبي رية: فمنها كتاب الدكتور أبي شهبة السابق الإشارة إليه، ومنها كتاب الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني: (الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة).

ومنها كتاب (ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية) للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.

وكتاب دفاع عن أبي هريرة للأستاذ عبد المنعم صالح العلي العزي (محمد أحمد الراشد).

وكتاب (السنةُ ومكانتها في التشريع الإسلامي)، للدكتور مصطفى السباعي، وكتاب (أبو هريرة راوية الإسلام) للدكتور محمد عجاج الخطيب، رحم الله الجميع وغفر لهم.

ثم جاء من بعده دعيٌّ آخر من أهل الضلالة هو السيد صالح أبو بكر، فنشر في عام 1973م كتاباً بعنوان: (الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها)، سار فيه سيرة مَن سبقه من أهل الضلالة في القدح في صحيح البخاري، والحط من قدر الصحابي الجليل أبي هريرة، حتى زعم (في ص: 159 من كتابه المشار إليه): أن أبا هريرة أسلمَ وهو طفل في السابعة من عمره، وعندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان في العاشرة من عمره، أي فكيف يُوثق في مرويات طفل دون العاشرة.

وقد جاءت مقالات العلامة الشيخ المطيعي رداً على كتاب السيد صالح المشار إليه، ونُشرت بمجلة الأزهر ابتداءً من عدد محرم 1395هـ (فبراير 1975م).

وقد نحى الشيخ المطيعي في هذه المقالات منحىً يجمع بين التحقيق العلمي الرصين الذي مرده إلى نصوص القرآن والسنة، ثم أقوال أهل العلم الأثبات، وبين النقد اللاذع الشديد الذي قد يصل إلى حد السخرية من صاحب تلك الضلالات وبيان جهله وتشبُّعِه بما ليس عنده.

ومن ذلك أنه بعد أن ردَّ فرية أن أبا هريرة كان طفلاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عمد إلى نقلِ فقرةٍ من كلام هذا المدعي ينفي فيها أن يكون أبو هريرة من أهل الصُّفَّة، ويقول فيها: (المعروف أن أهل الصفة كانوا رجالا بالغين سن التمام والتكليف (!!) وأنهم كانوا عاجزين عن الكسب بما أصابهم من كبر السن والمرض، فكيف يُترك أبا (!) هريرة الطفل الذي لم يبلغ سن العاشرة معهم ليشاركهم حياة الصفة وهي خاصة بالمتقاعدين؟)!

فكان تعقيب الشيخ (ص: 131من كتابه المذكور) بعد أن وضع علاماتِ التعجب التي تراها في النص: (هكذا والله قيل هذا الكلام بنصِّه وفصِّه في كتابٍ مطبوع، ثم بعد ذلك نشكو أزمةً في الورق، حيث يستنفد الورق في مثل هذا الهذيان ،والجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والظلمة الطَّخْياء).

وبعد: فإن هذه الافتراءات التي رد عليها الشيخ المطيعي ومَن سبقه ومَن لحقه من أهل العلم، إنما هي جزء من حرب ضروس تُشنُّ على السُّنة المطهرة من خلال الطعن في رواة الحديث الشريف من الصحابة ومَن بعدهم، يشنها بعض أدعياء العلم والمعرفة.

ينقل بعضهم عن بعض، بدايةً ببعض أهل البدع في القديم من أهل الاعتزال كالمريسي والنظام والبلخي.

وتابعهم في هذا العصر بعض المستشرقين أمثال شبرنجر وجولد تسيهر (الذي رد عليه الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه دفاع عن العقيدة والشريعة).

ثم بعض أهل التشيع كعبد الحسين شرف الدين العاملي الذي كتب كتاباً عنوانه (أبو هريرة) ملأه بالطعون والافتراءات على هذا الصحابي الجليل . ومِن كتابِ هذا الشيعي استقى محمود أبو رية طعونه وضلالاته [كما يذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب رحمه الله في كتابه: أبو هريرة راوية الإسلام ص: 302]. ثم جاء بعد أبي رية المدعو السيد صالح كما ذكرنا.

وعلى درب هؤلاء المفترين يسير المغرضون من كتبة هذه الأيام من أمثال إسلام البحيري وإبراهيم عيسى وأحمد عبده ماهر الذي رفع منذ سنوات قضيةً يطالب فيها بإلزام شيخ الأزهر بتنقيح «صحيح البخارى»، وتنقيته من الأحاديث المدسوسة، على حد وصفه، والتي يزعم أنها تخالف العقيدة الإسلامية والقرآن الكريم …

والعجيب أنهم يكررون نفس الأكاذيب، ويُرددون نفسَ الشبهات التي أشبعها أهل العلم بحثاً ورداً. فلا جديدَ عندهم، ومع ذلك تَفتح لهم كثيرٌ من القنوات أبوابها ليبثوا من خلالها أباطيلهم وسمومهم. وتقوم الدنيا ولا تقعد إنْ طالب البعض بمنعهم من بثِّ تلك السموم، أو حَكمَ القضاءُ على واحد منهم ولو بحكم مخفف. فحسبنا الله ونعم الوكيل.

د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

11/ 3/ 1446هـ-14/ 9/ 2024م.

Please follow and like us:
د. عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب