مقالات

د. عبد الآخر حماد يكتب: بيان تدليس الهلالي في مسألة قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد

أرسل إليَّ أحد الإخوة بمقطع لسعد الدين الهلالي يتحدث فيه مع عمرو أديب حول مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة (أي بالنسبة للإمام والمنفرد).

وفيه ذكر الهلالي أن هذه المسألة من المسائل الخلافية، وأنه إذا كان هناك قول فقهي بفرضية قراءة الفاتحة وعدم صحة الصلاة بدونها، فإنَّ هناك قولاً آخر بصحة الصلاة مع عدم قراءة الفاتحة، وهو قول أبي حنيفة.

ثم أخذ يستدل بما استدل به الحنفية من النصوص المطلقة كقوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).[ المزمل: 20] وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ). [أخرجه البخاري (757) ومسلم (397)من حديث أبي هريرة)]…

والظاهر أن ذلك الحوار كان تعليقاً على الموقف الذي حدث في صلاة عيد الأضحى الماضي؛ حين ترك الإمام قراءة الفاتحة، والذي كان من أعجب ما حدث فيه أنه كان خلفَ ذلك الإمام  كل القيادات الدينية الرسمية في مصر: شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف وغيرهم، فلا سبِّح به أحدهم ولا نبه فلا سبِّح به أحدهم، ولا نبهوه حتى إلى سجود السهو في نهاية الصلاة. فجاء  كلام الهلالي في ذلك السياق تبريراً لما حدث، وبيان أنه لا إشكالية فيه، ما دامت تلك الصلاة قد صحت على أحد المذاهب.      

وتعليقاً على ذلك أقول: إن من الأمور المستقرة عند عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ضرورة قراءة سورة الفاتحة في الصلاة، وبخاصة بالنسبة للإمام والمنفرد؛ وذلك أخذاً بما دلت عليه النصوص الشرعية في ذلك كحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). [أخرجه البخاري (756) ومسلم (394) من حديث عبادة بن الصامت].

وقليل من المسلمين مَن يعرف أن هناك قولاً لبعض أهل العلم بصحة صلاةِ الإمام أو المنفرد إذا ترك قراءة الفاتحة.

 وما ذلك إلا لأن قراءة الفاتحة هو الأمر الذي استقر عليه العمل منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وحتى أتباع المذهب الحنفي في كل ديار المسلمين لا يتركون قراءة الفاتحة، وقد صلينا خلف أئمتهم في باكستان وأفغانستان وتركيا، وكثير من البلدان، فما رأينا إماماً منهم صلَّى بنا فترك قراءة الفاتحة.

أما في بلادنا فقد ابتلينا بسعد الدين الهلالي وأمثاله ممن لا هم لهم إلا إحياء مثل هذه الخلافات التي تكاد تكون قد اندثرت، ولم يعد لها وجود إلا في كتب العلم وقاعات الدرس، فيبثونها عبر الفضائيات مثيرين الفتنة والبلبلة بين الناس.

ولست أريد هنا الخوض في تفصيل أقوال الفقهاء في ذلك، ولا كيف رد الجمهور على استدلال الحنفية بمثل هذه النصوص التي ذكرها سعد الدين الهلالي، واعتبروها من المُطلَق الذي قيدته النصوص الأخرى الآمرة بقراءة الفاتحة. وإنما أريد أن أسلك مسلكاً آخر أبين فيه مدى تدليس هذا الرجل وتضليله للناس.

وبيان ذلك أن اكتفاءه بذكر أن الحنفية يصححون الصلاة دون قراءة الفاتحة يوهم أنهم يرون ذلك أمراً عادياً، كما يُهوِّن من أمر قراءة الفاتحة عند عوام المسلمين. لكنَّ الحقيقة أن الحنفية -وإن قالوا بصحة الصلاة بغير قراءة الفاتحة- إلا أنهم يؤثِّمون من فعل ذلك عمداً، ويوجبون عليه إعادة الصلاة.

جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذي أصدرته وزارة الأوقاف المصرية، بإشراف الشيخ عبد الرحمن الجزيري رحمه الله عند ذكر واجبات الصلاة (2/ 51-52): (الحنفية قالوا: إن للصلاة واجبات منها قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض.. ودليل هذه الواجبات كلها مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ترك شيئاً منها فإن كان سهواً وجب عليه سجود السهو، وإن كان عمداً؛ وجب عليه إعادة الصلاة، فإن لم يُعد كان آثماً، وإن كانت الصلاة صحيحة كما تقدم).

فالحنفية يرون أن قراءة الفاتحة ليست فرضاً، وإنما هي واجب فقط. وهم يُفرِّقون بين الفرض والواجب رغم أنهم يرون أن كليهما لازمٌ، يثاب على فعله ويعاقب على تركه.

لكن الفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعي كنصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة، والواجب ما ثبت بدليل ظني كحديث الآحاد، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، لكنَّ الفرضَ أكثرُ لزوماً من الواجب، وعقاب تاركه أشد من عقاب تارك الواجب.

جاء في مراقي الفلاح من كتب الحنفية (ص: 71) في تعريف الواجب: (وفي الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شبهة.. وحكم الواجب استحقاق العقاب بتركه عمداً، وعدم إكفار جاحده، والثواب بفعله، ولزوم سجود السهو لنقص الصلاة بتركه سهواً، وإعادتها بتركه عمداً، وسقوط الفرض ناقصاً إن لم يسجد ولم يُعِد). 

أي أن هذه المسألة عندهم شبيهة بمسألة الصلاة في الثوب المغصوب أو الأرض المغصوبة؛ حيث يرى جمهور العلماء صحة الصلاة مع الإثم، فهل يصح لمفتٍ أن يذكر للناس أن الصلاة في الثوب المغصوب صحيحة، دون أن يبين لهم إثم مَن فعل ذلك؟. وهل رأيتم مدى تدليس هذا الرجل وتلبيسه على الناس.. اللهم إنا نبرأ إليك من الضلالة.

د. عبد الآخر حماد

2/ 2/ 1445هـ- 18/ 8/ 2023م

د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى