د. عبد الآخر حماد يكتب: سوريا الجديدة.. التحديات والمخاطر
لا أظن أن مسلماً صادقاً لم يفرح بسقوط النظام البعثي الطائفي في سوريا، ذلكم النظام الذي ظل جاثماً على صدور أهلنا في سوريا منذ أكثر من نصف قرن، يحكمهم بالحديد والنار، والسجون والمعتقلات.
ويكفينا فرحةً وسروراً مشاهد فتح السجون وتحرير من فيها من الأسيرات والأسرى الذين سمعنا أن بعضهم قد مضى على أسره أربعة عقود في ظروف غير آدمية بالمرة.
لكننا ومن منطلق الإيمان الراسخ بأن الأمة المسلمة أمة واحدة وأن المسلم للمسلم كالجسد الواحد، لا يمكننا أن نتغاضى عما نراه من مؤشرات سلبية عدة في الواقع السوري تحمل المسلم الواعي على أن تكون فرحته مشوبة بالحذر، بل والقلق لا على مستقبل سوريا فقط، بل على مستقبل المنطقة بأسرها.
ويمكننا بهذا الخصوص أن نرصد عدداً من التحديات التي تواجه القيادة الجديدة في سوريا:
أولها: التواجد العسكري الأجنبي في سوريا، فإن هناك أربع دول لها قواعد عسكرية في سوريا: هي أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، إضافةً إلى حزب الله اللبناني.
صحيح أن التواجد الروسي والإيراني قد انكمش، لكن لا يبدو حتى الآن أنه انتهى تماماً.
ثانياً: وأخطر من ذلك ما نعلمه جميعاً عن هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967م، والتي لم يكتفِ الصهاينة باحتلالهم لها، بل استغلوا الأحداث الأخيرة فاستولوا على المنطقة العازلة بينها وبين سوريا، وعلى جبل الشيخ ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة، بل توغلوا إلى مسافة 25كيلو متراً جنوبي دمشق، إضافةً إلى تدمير طائرات سوريا وأسطولها البحري، وشن مئات الغارات على مخازن الأسلحة، ومراكز الأبحاث السورية.
ثالثاً: وجود بعض الميليشيات المسلحة التي ليست على وفاق مع القيادة الحالية في دمشق، وأهمها ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، المدعومة من أمريكا، والتي ينضوي تحتها 85 ألف مقاتل معظمهم من الأكراد، وقد سلحتهم أمريكا بأحدث أنواع العتاد العسكري، وهم يسيطرون على ثلث مساحة الدولة السورية شرقي الفرات، وهي مناطق زراعية خصبة، ويوجد فيها أبرز حقول النفط السورية.( من باب نسبة الفضل لأهله أقول إنني لم أكن على علم بحجم تلك القوات ولا توجهاتها، حتى نبهني إلى ذلك بعض أبنائنا وبناتنا ممن يتابعون دروسنا على التليجرام فجزاهم الله خير الجزاء).
كما أن تنظيم الدولة (داعش) المعادي لجبهة تحرير الشام ومَن معها من الفصائل، لا يزال يحتفظ ببعض التواجد، وبخاصة في مناطق البادية الحدودية بين سوريا والعراق. كما تشير بعض المصادر الصحفية إلى أنه يوجد في سجون «قسد» أكثر من عشرة آلاف عنصر من هذا التنظيم.
وهؤلاء عبارة عن قنبلة موقوتة يمكن للقوات الكردية إطلاقها في أي وقت نكايةً في النظام الجديد.
رابعاً: التعدد العرقي والطائفي في سوريا: فمن حيث التنوع العرقي يوجد العرب والأكراد والشركس والتركمان.. ومن حيث التنوع العقدي يوجد السنة، والشيعة الاثنى عشرية، والعلويون أو النصيريون، والدروز، والنصارى، واليزيدون أو الإيزيديون، الذين يقال عنهم إنهم يعبدون الشيطان، وإن كانوا هم ينكرون ذلك، بحسب ما سمعته من بعض أبناء تلك الطائفة أثناء إقامتي في ألمانيا.
ورغم أن أغلب تلك الفرق والطوائف قليلة العدد، إلا أنه لا بد أن يوضع في الحسبان ما يمكن أن يقوم به محترفو إثارة الفتن من تحريك بعضها ودعمه بالمال والسلاح، ونحو ذلك.
وهل ننسى أن الطائفة العلوية التي حكمت سوريا منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، ليست إلا أقلية لا تزيد نسبتها عن 17% من أبناء الشعب السوري؟
وأخيراً: لا بأس من الإشارة إلى كلماتٍ منسوبةٍ إلى الزعيم السوري شكري القوتلي الذي كان رئيساً لسوريا قبل قيام دولة الوحدة بينها وبين مصر في عام 1958، حيث كنا نسمع ونحن أطفال أنه قال للرئيس جمال عبد الناصر بعد توقيع اتفاقية الوحدة بينهما:
(لقد سلمتك شعباً يعتقد كل من فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المائة من ناسه أنهم زعماء.
ويعتقد خمسة وعشرون في المائة منهم أنهم أنبياء، ويعتقد عشرة في المائة أنهم آلهة).
وكنت أظن أن هذه المقولةَ مجردُ نكتة أطلقها المصريون بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961م، ولكني بالبحث وجدت أن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل قد أوردها في أحد مقالاته بجريدة الأهرام. بل ذكر أن القوتلي قال أيضاً لعبد الناصر:
(أخذتَ يا سيادة الرئيس ناساً فيهم مَن يَعبدُ الله، وفيهم من يعبد النار، وفيهم من يعبد الشيطان، وفيهم من يعبد…وقال كلمة تتعلق بالمرأة لا يجوز وضعها على الورق. ونظر جمال عبد الناصر إلى القوتلي وقال ضاحكاً: لماذا لم تقل لي ذلك قبل أن أوقع الاتفاق بإمضائي).
[من مقال هيكل الأسبوعي بصراحة المنشور بالأهرام بتاريخ 27 أكتوبر 1961م].
وغني عن البيان أننا لا يمكن أن نقصد بإعادة نشر هذا الكلام الإساءة إلى أهلنا في سوريا ولا السخرية منهم، وإنما نريد فقط الإشارة إلى أن كلام القوتلي، مع ما فيه من المبالغة، إلا أنه يعطي مؤشراً لما يمكن أن تؤدي إليه التركيبة السكانية التي أشرنا إليها من كوارث إذا لم يُلتفت إليها، ولم تُستغل استغلالاً حسناً، وبخاصة أننا سمعنا مؤخراً تصريحاً لوزير الخارجية الصهيوني، يتحدث فيه عن عدم واقعية بقاء سوريا موحدة، وأن أفضل حل لها أن تكون هناك دولة للدروز، وأخرى للأكراد، وثالثة للمسيحيين، ورابعة للعلويين، وخامسة للسنة…
كان الله في عون قيادة سوريا الجديدة، ووفقهم لما يحبه ويرضاه.