السبت سبتمبر 21, 2024
مقالات

د. عبد الآخر حماد يكتب: من أدب السجون

من أدب السجون: قصيدة «يا أبا موسى سلام»: للشيخ سفر الحوالي 

يا أبا موسى سلامْ **  أنت مقدامٌ همامْ

أنت حر لا يضامْ **  إنما الموت الزؤامْ

من أعار الظلمَ فاه

…….

إنما السجن المهينْ ** إنما الخزي المبينْ

إنما العار المكينْ **  من تولى المجرمينْ

واقتفى نهج الطغاة

الأبيات السابقة جزء من قصيدة كتبها العلامة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي -فك الله أسره- من داخل سجن الحائر. وذلك في فترة اعتقاله الأولى التي استمرت خمس سنوات (من سنة 1415هـ إلى 1420هـ) .

أما أبو موسى الذي يخاطبه الشيخ في هذه الأبيات ،فهو الشيخ الدكتور حمد بن إبراهيم الصليفيح رحمه الله.

وهو واحد من الرعيل الأول للدعاة في المملكة السعودية، ومن مؤسسي الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وقد كان له دور بارز في إنشاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم والإشراف عليها.

كما شارك في أوائل التسعينيات في تشكيل ما عرف بلجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، فطالته اعتقالات عام 1415هـ (1994م)، مع جماعة كبيرة من العلماء والمشايخ منهم الشيخ سفر الحوالي، والشيخ سلمان العودة، والشيخ ناصر العمر وغيرهم. ولم يفرج عنهم إلا بعد خمس سنوات في عام 1999م .

أما سبب كتابة هذه القصيدة فهو أن زوجة الدكتور الصليفيح قد توفيت في أثناء اعتقاله في حج 1416هـ. ولم يسمح له بالاتصال بأهله ،فضلاً عن المشاركة في جنازة زوجته .فكتب الشيخ سفر له هذه القصيدة التي كان مطلعها :

يا جدار الصمت هات ** هات أصداء الثبات

حين تخبو الكلمات  ** حين تُغشى النائبات

نحن للجرح أُساة

وهو في هذه القصيدة يواسي رفيق محنته أبا موسى، ويبشره بقرب فرج الله ونصرِه عبادَه المؤمنين، وذلك في مثل قوله:

أُبصِرُ البشرى تنوس ** من بعيدٍ كالعروس

عَرْفها يحيي النفوس ** تهزم الليلَ العبوس

نورها يغشى رؤاه

……..

أنت أيقظت الجراح ** قلت حي على الفلاح

فرأيت النصر لاح **  وتراءيت الصباح

يغمر الدنيا سناه

…………

لا تقل عزَّ الطريق ** لا تقل قلَّ الرفيق

ها هو الركب المفيق ** جاز أرجاء المضيق

رافعاً شُم الجباه

كما نلحظ في تلك القصيدة أن الشيخ لم تغب عنه أحوال الأمة المسلمة، فراح يدعو لوحدتها ،محفزاً أبناءها للقيام بنصرتها، جامعين بين أسباب القوة المادية والقوة الإيمانية:

 بالمواضي المرهفات ** بالقلوب الخاشعات

بالشفاه الذاكرات ** بالعيون الباكيات

يبلغ الحق مداه

……………….

دأبنا والحتف حتفُ** أننا في الروع صفُّ

وليمُتْ ألفٌ وألفُ** وليطِرْ رأسٌ وكفُّ

ما لمهزومٍ حياة

…………………

واسأل الشيشانَ عنا ** هل جبنا أو وَهنا

كيف لو أنا اتحدنا **ولدرب الحق عدنا

من شعوب ودعاة

وعلى هذا النحو تمضي مقاطع القصيدة ما بين حث لأهل الإسلام على التمسك به، والدفاع عنه، وما بين ابتهال إلى المولى عز وجل بنصر الحق وأهله، وقمع الباطل وأهله. إلى أن تُختم القصيدة بهذا المقطع المؤثر الذي يَضرع الشاعر فيه إلى ربه متذللاً خاشعاً، سائلاً إياه غفران الذنوب:

يا إلهي كم أتوبْ ** أخلقت وجهي الذنوبْ

أثقلت كتفي الكروبْ** فامحُ عني كلَّ حُوبْ

فاز من كنت رجاه

وبعد: فأين الكاتب الآن ؟ وأين المكتوب إليه ؟

أما الكاتب فهو الآن في محنته الثانية معتقل منذ يوليو 2018م، أي منذ أكثر من خمسة أعوام، وذلك رغم أنه مريض مقعد أنهكته السنون والأوجاع، منذ أن أصيب بنزيف في الدماغ في عام 2005م.

وأما المكتوب إليه، فبالبحث تبين لي أنه توفي عام (1426هـ-2005م) وتحديداً في ليلة السبت 21/3/1426هـ، وفق ما نشر بموقع «المسلم» في تلك الفترة. وذلك إثر تعرضه لحادث مروري مع عائلته على طريق المدينة النبوية.

فكَّ الله أسر الكاتب، وألبسه ثوب الصحة والعافية، ورزقنا وإياه حسن الخاتمة ،ورحِمَ المكتوب إليه وغفر له، وألحقنا به في الصالحين.

أ.د. عبد الآخر حماد

عضو رابطة علماء المسلمين

22/ 2 / 1445هـ- 7/ 9/ 2023م

Please follow and like us:
د. عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب