بحوث ودراسات

د. عبد السلام البسيوني يكتب: الاستشراق السياسي والدبلوماسي (1)

بت معتقدًا -لحد الجزم- أن المعاهدات بين الأطراف غير المتكافئة، والاتفاقات، والتفاهمات، وملتقيات حوار الأديان، ومنتديات التفاهم الحضاري، ناهيك عن القمم التي تعقد بين الذئاب والنعاج، والقروش والبَلَم! بت معتقدًا أنها تجمعات استعلائية، يريد فيها الطرف الأقوى أن يملي أجنداته، ويفرض هيمنته، بشكل ناعم، على الأضعف، الذي يجب عليه أن يتنازل عن خصوصياته، وأساسياته، وتاريخه؛ لصالح الطرف الأقوى! وإلا ووجه المسكين بتهم دعم التخلف، والإرهاب، والتزمت، والاستبداد، وما شابه من مصطلحات صُكت لترويع، وتوريط، وإحكام الخناق على الضعيف! ثم -إن لم ينحن- تفرض عليه العقوبات، وتشن الحروب، ويبدأ الحصار بأشكاله!

قل ذلك في ملتقيات الحوار الإسلامي المسيحي، أو الإسلامي اليهودي، أو الإسلامي الرافضي، أو حتى ملتقيات البنك الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن وغيرها!

وقل ذلك في العمل الدبلوماسي، الذي يكون فيه السفير أو القنصل، أو الملحق – المستعز بعَلَمِه، وخبراته، ولغاته، وصلاحياته، وحصانته الدبلوماسية، وقوانين بلاده – أقوى من رئيس دولة، والمبعوث الدبلوماسي يكون آتيًا بإملاءات وشروط، تنفذ رغم الأنف، وإن زعم الضعيف أن (عزبته) حرة مستقلة!

وقد رأينا كيف كانت الست مادلين بنت أولبرايت تأمر وتنهى، والأخت كوندي بنت رايس، وقد وضعت رجلًا على رجل، والنشامى أمام فخامتها يمدون أذرعهم على أفخاذهم؛ مبتسمين في رجاء، كأن أحدهم طفل مذنب متعرض للعقوبة! ورأينا كيف كانت تسيفني بنت ليفني تتكلم، وإيفانكا بنت ترامب تتحكم!

وبت مقتنعًا تمامًا أن الدبلوماسي الغربي، الذي يُختار لتمثيل بلده، في بلدٍ ذي تأثير، هو دبلوماسي مستشرق، يكون على دراية واسعة جدًّا بحال البلد الذي يتدبلس فيه: يعرف لغته، وتاريخه، وتقاليده، وأحواله، وواقعه، وذوي التأثير فيه من البشر والاتجاهات والأفكار، وأنه لا يتحرك عبثًا، بل إن كل خطوة له محسوبة بدقة!

وليس في هذه الوظائف عندهم -في زعمي- وسائط، ولا قرابات، ولا أهل ثقة، بل الكفاءة والكفاءة والكفاءة!

ثم إذا هو انتقل إلى سفارته لم يسترح، بل تحرك لتمثيل دولته وشعبه ومصالحه بأقصى ما يستطيع، من خلال نفسه، ومن خلال الملحقين السياسيين والثقافيين والتجاريين والسكرتارية حوله، وغالبًا ما رأيت منهم من يحسن العربية، ويتكلم دارجة ما: مصرية، أو شامية، أو خليجية!

وبت أجزم يقينًا لا يهتز أن القوم يَعدون أنفاسنا، ويحصون حركاتنا، ويشاركوننا مخادعنا، ويسجلون أصواتنا، ويقرؤون أفكارنا، ويسوقوننا إلى ما يريدون؛ لتحقيق ما يريدون، بالشكل الذي يريدون!

وكم سرقوا من آثارنا، ومكتباتنا، واستقطبوا من علمائنا، ونَوابه شبابنا، ليتغربوا، ويعطوا

 إبداعاتهم لأولئكم!

وأنا هنا أشد على أياديهم، وأراهم بالنسبة لبلادهم أبطالًا؛ فهذا ما يجعلهم مؤثرين ناجحين، مهيمنين وآمرين ناهين! وغيابه أيضًا هو ما يجعلني أنعى حالنا، فلسنا في العير ولا النفير، بل يُقضى الأمر في حضورنا أو غيابنا، ونوقع بأيدينا صكوك استباحتنا، وانتهاكنا، وتسليم أبنائنا وأعراضنا، وبيع دنيانا وديننا!

وقناعاتي هذه عن قراءات، ومتابعات، وكم قرأت عن (تلك الشرائح من الباحثين والأكاديميين والرحالة، والدبلوماسيين، والجواسيس، والمؤرخين الذين شدهم الاهتمام إلى المنطقة العربية عبر القرون، وسافروا إليها، وتعلموا العربية فيها، ثم عايشوا أهلها وكتبوا عنهم)!

 ومنهم السويدي سبارفنفيل Johan Gabriel Sparfwenfeldt‏ 1655 – 1727 م. الذي كان حاجبًا في القصر الملكي، ورحل في الشرق والأندلس وأفريقية وجمع أربعين ونيفًا من الكتب بلغات مختلفة، منها: «رسالة بالخيميادا»، وهي بالإسبانية المكتوبة بالحروف العربية، وتحوى فرائض دينية على مذهب مالك، وقد حققها ونشرها المستشرق سترسين (نجيب العقيقي: المستشرقونج: 3/ ص: 22)!

وفي تقرير عن كتاب لـ:المستشرقون البريطانيون في القرن العشرين، لمؤلفه: ليزلي ماكلوغلن، نشرته الجزيرة، عن دور الدبلوماسيين الجواسيس، جاء (باختصار كثير، وتصرف):

أثناء كل هذا النشاط العسكري والسياسي الذي لا يهدأ، تطورت أجيال من المستعربين البريطانيين الذين انخرطوا في جهد الإمبراطورية الاستعماري في المنطقة بشكل أو بآخر. وفيالحالات القصوى عمل بعض هؤلاء يدًا بيد مع أجهزة الاستخبارات البريطانية؛ لتحقيقمهمات سياسية وأمنية! ومنهم بروفيسور اللغة العربية واللغات الآسيوية في كامبردج إيه إتش بالمر، الذي أتقن العربية البدوية والفارسية والهندوسية، وهو في العشرينيات من عمره. وأرسله رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غلادستون في مهمة إلى بدو  مصر ليقطع علاقاتهم مع العناصر الوطنية وحركة عرابي باشا. وكان يعمل مع قائد الجيش البريطاني في مصر، حتى قتله البدو المصريون، ومعه زمرة من العسكريين البريطانيين سنة 1882.

وقد تصاعدت أهمية المستعربين البريطانيين في الربع الأول من القرن العشرين؛ توازيًا مع زيادة النفوذ البريطاني الاستعماري في الشرق الأوسط، فجندت الإمبراطورية خبراء في كل المجالات لدراسة المنطقة؛ وتقديم المشورة الضرورية! وفي العقدين الأولين من القرن العشرين برزت أسماء مهمة لمستعربين كان لهم دور في صوغ شكل المنطقة بشكل عام؛ من أبرزها توماس لورانس (لورنس العرب)، وجيرترود بيل، وديفيد هوغارث، والسير مكماهون اللذان رأسا المكتب العربي الذي أسسته الخارجية البريطانية في القاهرة سنة 1916؛ لإثارة النقمة على العثمانيين، وإدارة الاتصالات مع العرب، وكان مكماهون هو ضابط الاتصال مع الشريف حسين؛ لتنسيق الثورة العربية ضد الأتراك.

وكذا السير مارك سايكس وزير الخارجية البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى الذي صاغ مع بيكو وزير خارجية فرنسا اتفاقية سايكس بيكو السيئة الصيت، التي قسمت المنطقة العربية بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي سنة 1916. وكان سايكس من أكثر البريطانيين ميلًا للمشروعات الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؛ فعمل بنشاط بالغ

 لإقناع الخارجية واللورد بلفور لإصدار الوعد المشؤوم سنة 1917.

ومنهم الجنرال غوردون الحاكم الإنجليزي للسودان الذي أثر أيضا في تاريخ السودان الحديث وقتله السودانيون أثناء محاولته إخماد ثورة المهدي في السودان عام 1880.

وكذا جون فيلبي الذي كان على صلة وثيقة بالملك بن سعود ومستشاره إبان حروب توحيد الجزيرة العربية (وهو والد الجاسوس الشهير كيم فيلبي الذي كان قد استعرب هو الآخر).

في تلك الفترة أيضًا تأسس الإعلام الجاسوس لو صح التعبير، فأنشأت بريطانيا: «القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية» عام 1938، كما تأسس المجلس الثقافي البريطاني الذي فتح فروعًا في كثير من العواصم العربية؛ بهدف نشر الثقافة البريطانية، وإيجاد صلات مع الشعوب العربية على أوسع نطاق! وكان الهدف العسكري من وراء هذه المؤسسات منافسة الإعلام الألماني والإيطالي الموجه للمنطقة العربية.

بعد ذلك بسنوات أي عام 1944 تأسس في القدس أهم مركز للمستعربين البريطانيين في الشرق الأوسط: مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية، أو ميكاس، أو معهد شملان! الذي تأسس في سياق الجهد البريطاني الرسمي الهادف إلى استكشاف المنطقة، والتعرفإليها عن قرب، وكان الهدف المباشر منه تدريس العربية للمستعربين والضباط وغيرهم؛ ممن تحتاج إليهم الإدارة الاستعمارية في المنطقة.

كان أول مدير للمركز بيرتام توماس، وكان المسئول التعليمي الأول فيه واحدًا من أهم المستعربين الصهاينة، وهو أبا إيبان اليهودي البريطاني الذي ولد في جنوب أفريقيا وأصبح فيما بعد أول وزير خارجية لإسرائيل بعد قيام الدولة. وكان قد درس في كامبردج اللغة العربية والعبرية وانخرط في النشاطات الصهيونية الساعية إلى بناء كيان سياسي لليهود في فلسطين.

لم يدم مركز ميكاس في القدس سوى أربع سنوات، ثم تم نقله قبيل اندلاع الحرب العربية

 الإسرائيلية إلى لبنان، وتحديدًا إلى قرية شملان، وصار يعرف باسمها، وهناك اشتهر وتكون اسمه والخبرات التي صار يعرف بها. وهو عمليا أول معهد في العالم تأسس لتدريس اللغة العربية لأهداف محددة. وفي السنوات التي ظل فيها المعهد مفتوحًا بين العامين 1948 و1978 حينما أغلق خرّج مئات البريطانيين الذين عملوا في السلك الدبلوماسي والاقتصادي والأكاديمي. وعاصر مراحل تطور لبنان الحديث. لكنه كان على الدوام محط الشبهات، ولطالما طالبت الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية بإغلاقه؛ بوصفه وكرًا للجواسيس!

وقد أدى المركز أدوارًا مشبوهة في أكثر من حالة؛ كانخراطه في إدارة راديو الشرق الأدنى من قبرص، الذي يبث بالعربية؛ بعد أن رفض موظفوه العرب مواصلة العمل، فيه لضلوعه في شن حرب نفسية على مصر والمصريين إبان أزمة حرب السويس؛ بأوامر الحكومة البريطانية الضليعة في مؤامرة العدوان الثلاثي على مصر، وكان أن زرعت قنبلة في منزل مدير المركز جيمس كريغ الذي لم يصب بأذى، واعتدي على عضو آخر في المركز هو السير تيرينس كلارك.

وأثناء حرب الخليج الثانية وغزو العراق كان اثنان من المستعربين من خريجي معهد ميكاس معلقين وخبراء، مثل: فرد هاليدي، وبيتر مانسفيلد، وباتريك سيل، واحتل المستعربون موقعًا مركزيًّا في تلك الحرب وما يتعلق بها.

وكم سرق هؤلاء الدبلوماسيون من الآثار المصرية، ونهبوا، وجرفوا، أو اشتروا (ببلاش) من الفلاحين السذج الذين لا يعرفون ما كان يجدون، أو من تجار الآثار من جهلة المسؤولين!

وأسوق هنا نموذجًا لأحد الدبلوماسيين النهابين (باختصار وتصرف) هو المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم وكنوز تل حلف! الذي عشق الآثار الشرقية بشغف، ونهب منها ما لا يقدر بثمن؛ وكان يجمع في رحلاته إلى الشرق الأوسط الآثار والتحف الأثرية، وخلال  تخطيطه لشق سكة حديد بغداد عثر على كنز أثري نفيس، في تل حلف، شمالي سوريا، على ضفة نهر الخابور، أحد مقرات الأمراء الآراميين في الألف الأولى قبل الميلاد.

اكتشف ماكس فون أوبنهايم (1860-1946) عام 1899 – بتمويل ودعم من عائلته الغنية – قصورًا تاريخية، وقطعًا فنية، وتماثيل؛ ما مثّل حدثًا هامًّا في تاريخ التنقيب عن الآثار. وكان آنذاك ملحقًا دبلوماسيًّا في القنصلية الألمانية في القاهرة (بين عامي 1896 و1909).

وكان البدو المحليون أخبروا أوبنهايم عن صور مهولة منحوتة على الصخر، يشعرون بخوف شديد منها، دفنوها بعد أن وجدوها، فطلب أن يدلوه على موقعها، ليكتشف مقرًّا للأمراء الآراميين، يعود لبدايات الألف الأولى قبل الميلاد. ولأن المصورين المحترفين كانوا يرافقونه لالتقاط صور يبيعونها، فقد تم توثيق ذلك الاكتشاف خير توثيق.

في عام 1911 عاد أوبنهايم إلى تل حلف، وبدأت عملية التنقيب مجددًا، بمساعدة حوالي 500 من السكان المحليين. وخلال ذلك عثروا على القصر الغربي، وعلى معالم أثرية عليها رسومات واضحة لحيوانات وبشر، وتماثيل حجرية ساحرة. ثم عثروا على القصر الشمالي

 الشرقي، وعلى سور المدينة، وبوابات، ومدافن، وحجرة سميت بالقاعة الثقافية.

وكان شائعًا في بدايات القرن العشرين أن يقوم الأوروبيون بنقل الكنوز الأثرية، أحيانًا بطريقة رسمية معلنة، وأحيانًا بتهريبها سرًّا، إلى المتاحف الوطنية في دولهم الأوروبية: مجموعات من التحف الكاملة والقطع الفنية!

في البداية بقيت تلك اللقى الأثرية داخل الإمبراطورية العثمانية، لأن فون أوبنهايم لم يتمكن من الاتفاق مع سلطات الآثار العثمانية حول نقل الكنوز إلى الرايخ الألماني. ولكنه لم يتركها للعثمانيين، فقد أخفاها في منزله الاستكشافي “القصر الصحراوي”. وفي منزله في القاهرة.

وخلال الحرب العالمية الأولى، كان فون أوبنهايم يعمل ملحقًا إعلاميًّا في القنصلية الألمانية في اسطنبول. وبعد الحرب أسس معهد البحوث الشرقية، وأسس مؤسسة وقفية لذلك، ومتحف تل حلف في 1930 في برلين، الذي تعرض لسوء حظ أوبنهايم للقصف الجوي خلال الحرب العالمية الثانية، وتهدم مع الآثار التي يضمها. ولم تتبق سوى أجزاء مكسرة، بقيت مهملة في متحف بيرغامون في برلين ونُسيت هناك.

وقد نشر المعهد المصري للدراسات مقالة مهمة للدكتور حسين دقيل بعنوان: سرقة آثار مصر: الجوانب الخفية: ألخصها هنا (اختصار كثير وتصرف):

ثارت في الفترة الأخيرة قضية مهمة شغلت الرأي العام المصري، ألا وهي قضية تهريب الآثار، وقياممتحف لوفر أبو ظبي بعرض قطع آثار مصرية عند افتتاحه، وكان الناس ما بين مشكك في الأمر أو مهول فيه، ما دفعني للنظر في أبعاد القضية وأصولها وتداعياتها؟

إن موضوع سرقة آثار مصر ليس جديدًا ولا مستحدثًا، بل هو موضوع قديم بقدم الآثار نفسها؛ فقد بدأت سرقتها منذ عهود الفراعنة أنفسهم؛ وظلت مستمرة طوال القرون التالية حتى عصرنا الحالي: فبعد الاحتلال الروماني لمصر عام 32 ق.م، أخذ السائحون   الرومان والدبلوماسيون والسفراء والعسكريون يتوافدون على مصر؛ ينشدون العلم والثقافة والترفيه، وكان من أهدافهم الحصول على قطع أثرية فرعونية؛ وكان الإمبراطور الروماني هادريان (حكم بين 117 و138م) جمّل حدائق روما بآثار مصر الفرعونية! وكان من أكثر ما استهوى الرومان في مصر تلك المسلات الفرعونية برشاقتها ونقوشها الهيروغليفية، حتى إن الإمبراطور قسطنطين الأكبر (حكم بين 306 و337م) استولى على مسلة الملك تحتمس الثالث التي كانت في طيبة ثم نقلها إلى الإسكندرية، ومنها إلى القسطنطينية، وهي الموجودة حاليًّا بجوار مسجد آيا صوفيا بإسطنبول!

 كما نقلت مسلة فرعونية أخرى إلى روما في عصر الإمبراطور الروماني ماكسيموس (حكم بين 286 و310 م) والتي سقطت وأعيد نصبها أيام البابا سيكستوس الخامس 1587.

ومع دخول المسيحية لمصر، ورفض أقباط مصر لكل العبادات القديمة، واعتبار نقوش المعابد من الشرور التي تجر إلى الخطيئة؛ تم تدمير الآثار وتخريبها، حتى إن الإمبراطور الروماني جستنيان (حكم بين 527 و565م) في القرن السادس الميلادي، وبحجة مؤازرة مسيحيي مصر أغلق معبد إيزيس بفيلة، ونقل تماثيله إلى القسطنطينية! بل إن معظم الآثار الفرعونية الظاهرة فوق الأرض تم تدميرها في ذلك العهد، واستخدمت أحجارها في البناء!

ولما فتح المسلمون مصر، وانتصروا على الرومان؛ لم يهتموا كثيرًا بالآثار المصرية، لكنهم لم

 يعملوا على تخريبها وتدميرها!

وبقدوم الاحتلال الفرنسي لمصر مع نهاية القرن الثامن عشر زاد الاهتمام بالآثار المصرية سواء القائمة منها أو المدفونة، وخاصة مع إنشاء المجمع العلمي الفرنسي، الذي اهتم بجمع كل ما يهم مصر من علوم، وعلى الأخص الآثار المصرية.

وبالرغم من فشل الحملة العسكرية التي استمرت ثلاث سنوات، فقد نجحت من الناحية العلمية، وكان من أهم مقترحات لجنتها العلمية هو (اختيار ونقل الآثار المصرية القديمة، وتأمين وصولها إلى فرنسا سليمة)! حتى إن فيفان دينون أحد علماء الحملة الفرنسية، الذي اكتشف وصَور ورسم العديد من الآثار المصرية، وحمل العديد منها إلى باريس، قوبل بالترحاب لدى عودته إلى فرنسا، وكُلف بإنشاء متحف اللوفر؛ ليخصص به أول جناح للآثار المصرية.

بل إن الحملة الفرنسية عند استعدادها للخروج من مصر، كانت قد كدست ما جمعته من الآثار المصرية، وخزنته في الإسكندرية؛ تمهيدًا لنقله إلى باريس، لكن الإنجليز لم يُهنئوا الفرنسيين بما جمعوه؛ فخلال التفاوض على الانسحاب اشترط قائد الانجليز هتشنسون أن يترك الفرنسيون الآثار المصرية لهم! بل إن إيرل كافان، قائد قوات الإنجليز بالإسكندرية سعى لنقل إحدى المسلات الفرعونية إلى لندن؛ احتفالًا بفشل الحملة الفرنسية! وهي المسلة التي تزين أهم ميادين لندن حاليًّا!

ولذا فإن فرنسا كانت من أكثر بلدان العالم نهبًا للآثار المصرية، حتى إن الآثار المصرية الموجودة بمتحف اللوفر حاليًا فقط تتعدى مائة ألف قطعة! (وكذا الجناح المصري في المتحف البريطاني، يضم مائة ألف قطعة كبيرة وصغيرة، وقد رأيت فيه أشياء مهولة)!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى