الجمعة سبتمبر 20, 2024
بحوث ودراسات

د. عبد السلام البسيوني يكتب: السلفية (2).. من ملامح المنهج السلفي المرتضى

 ككل شيء علمي، تقوم السلفية على جملة من القواعد سأورد بعضها؛ توصلًا لدراسة جوانب الخلل في التطبيقات المعاصرة التي لم تخطر بالبال، يوم كان هذا المصطلح -قبل ربع قرن أو ثلثه- غضًّا طريًّـا، سويًّـا على صراط مستقيم، ومن أشكال الخلل:

1- خلل التشرذم والانقسام المزعج: فلم يخطر بالبال يومًا أن تصير السلفية سلفيات، ولا اللافتة لافتات!

 ولم يجل بالبال أن نسمع عن سلفية مدرسة الإسكندرية والسلفيات السرورية والمدخلية والجهادية والطحانية والمقبلية والجامية والحدادية والبرهامية، وغيرها من السلفيات التي بات أكثرها قاصرًا مزعجًا مثيرًا لكثيرًا من الجدل والعجب، عاكسًا لكثير من البله الفكري، والعُجب الأعمى، والتهاجي القبيح!

2- وخلل التطاول: فلم يجل بالخاطر أن يفرز هذا المنهج العلمي -الورِع، الوادع، العف، الرزين، الرشيد- جرآء على الناس، مستبيحين لأعراض العلماء، متطاولين مدعين، يسهل عليهم السب، والعيب، والتبديع، والتقريع!

3- وخلل السطحية: فلم يقع في الروع أن يتحدث باسم السلفية سطحيون بضاعتهم قليلة، باهتة، هزيلة، لم تتجاوز قراءاتهم أوائل بعض الكتب، ولم يبصروا كيف كان جلَد السلف في العلم والاستيعاب، وكيف كانوا موسوعيين شموليين، وحفظة متقنين، وفقهاء مستبصرين، ومربين أتقياء!

4- وخلل العجلة: فما تصورت أن يقفز أحداثٌ –في العلم– لم تنبت شواربهم، ولم يريّشوا، ليقوموا بالتحقيق، والتأليف، والتنظير، والاستدراك على العلماء الأثبات، ويصفوهم بالوهم أو الخطأ أو الإساءة، وليصحِّفوا نصوص كتب التراث، ويحرفوا النصوص –تحت زعم التحقيق- ويدخلوا في مآزق مضحكة مبكية!

5- وخلل الجمود: فلم أتخيل أن تكون الدعوة في بعض مواقعها جامدة راكدة، بسبب

 ضعف في الرؤية، أو عشًى في البصيرة، أو تجاهل للآليات والوسائل المعاصرة، أو انغلاق مهين مقيت، وهي التي أفرزت مدارس فقهية، وحديثية، وتفسيرية، ولغوية أدبية، وفكرية، وحياتية شتى، أثرت بها الحياة ثراء معجبًا نحو ألف سنة، وأقامت حضارات حول العالم لا تزال آثارها الشمُّ شاهدة!

6- وخلل تطبيق المنهج: فلم يقفز للذهن أن نجد من السلفيين من يتغطون بثياب التكفير، والتبديع، من حيث لا يشعرون!

 ولا من يقذعون السب ويتفننون في الهجاء، أو من يسخرون من غيرهم.

 ولا من ينطوون على أنفسهم؛ معتقدين-مطلقا- أنهم الأهدى والأسدّ، والأقوم والأرشد!

 ولا من يعتزلون العصر –حالًا لا مقالًا– متهربين من مسؤولياتهم نحو الدين والدعوة، تحت مبررات ظاهرها الورع، وباطنها العجز والهروب!

7- وخلل الأحادية المستكبرة: فأحدهم –عند النظرة المتعمقة- ليس ذلك الجمل الأنف، الذي إذا قيد انقاد، وليس اللين في أيدي إخوانه، بل هو جزيرة منعزلة، له عالمه، وله فلكه الذي يسبح فيه، وله تصوره الخاص عن الدنيا، وعن السلفية، وعن الدعوة، وعن…. عن كل شيء!

من ملامح المنهج السلفي المرتضى:

 وباستقراء بعض الخطوط العريضة للمنهج السلفي، الذي أظنه أهدى سبيلًا، وأقوم قيلًا، يمكننا – تمثيلًا لا حصرًا– الخروج بهذه الملامح:

o      السلفية عقيدة هادية مهدية:

 تُـعنى السلفية بالناحية الاعتقادية عناية بالغة، تأسيسًا على أن الله تعالى (لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك؛ لمن يشاء)!

 وعلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغ عن ربه تعالى أن من مات على لا إله إلا الله؛ خالصًا بها قلبه (دخل الجنة)..

 واستصحابًا لهدي السلف الصالحين بالعناية بالتوحيد، والتنبيه على موارد الشرك والابتداع..

 وفي ذلك الخير والهدى تجد الكثير مما لا يحتمل إيراده المقام.

  • والسلفية اتباع راشد:

= = هي اتباع لأنها ترى أن منهج السلف أهدى وأسلم، وأعلم وأحكم!

 ومَن كالسلف رضي الله عنهم ورضوا عنه؟

o      إيتوني برجل كالصحابة الأعلام، الصديق، والفاروق، أو المبشرين، أو ابن عباس، أو ابن مسعود، وابن عمرو أو أشباههم! سبقًا، وهدىً، وفقها، وورعًا!

o      إيتوني –من الكون كله– برجال كالتابعين من مثل سليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وابن المسيب، وابن سيرين، وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، أو سفيان أو أشباههم!

o      إيتوني برجال كابن تيمية وابن القيم، وابن حجر، والعيني، والسخاوي، والسيوطي، والذهبي، بحارٍ في العلم والحلم والورع والزهد والإنصاف المعجب؛ أحسبهم، والله حسيبهم، ولا أزكي على الله أحدا!

 فهل أُلام على حبهم وترسّم طريقهم؟

= = وهي رشاد؛ لأن منهجها بيّن، وأدلتها جاهزة، ومرجعياتها مؤسسة منذ قرون، وقد تبنتها الأمة، وطبقتها، وعرفت نتائجها! فلا لبس، ولا غموض، ولا اضطراب.

  • والسلفية شمولية وسعة فهم:

 وليست تضييقًا لواسع، ولا تعسيرًا ليسير، ولا عِلمًا واحدًا من العلوم، ولا رؤية منفردة من الرؤى.

     ألم يأتك نبأ علم عائشة وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم؟

     ألم تر إلى سعة علم ابن تيمية وابن القيم وابن حجر والذهبي عليهم رحمات الله؟

     فلم ضاق العطن، ووشل البئر؟

     لم ساد من لم يفقهوا، وتكلم من لم يعلموا، وتصدر من لم يصدروا عن أساتذة ومربين راشدين؟

  • والسلفية رحمة وعذر؟

 ألم تعلم بحال الرحمة المهداة بأبي هو وأمي وأهلي أجمعين؟!

 ألم تسمع إلى أفعال الصديق والفاروق والخلفاء والأئمة في رحمة الأمة؟

 ألم يأتك القول النبيل الحكيم لجعفر بن محمد، الذي أخرجه الإمام البيهقي بسنده في شُعَب الإيمان موقوفًا عليه: (التمس لأخيك عذرًا من سبعين؛ فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه، فإن لم تستطع فاتهم قلبك، الذي لا يستطيع أن يلتمس لأخيه العذر)!

  • والسلفية لا تشق عن القلوب والنوايا:

 إنما لها الظاهر البين. (والله تعالى يتولى السرائر) فلا دخول في النيات، ولا استراق للضمائر، ولا تقوُّل على الدخائل، ولا تجسس على الخلق: (ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) كما قال سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه! أبو داود/ 4890، واقرأ معي:

–       في صحيح مسلم عن سيدي أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته! فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (أقال لا إله إلا الله وقتلته)؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)؟

فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ!

–       وفي مسلم: 2769 عن سيدي كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه: وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله!

–       وفي البخاري/5311: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته، فقال: فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب)؟ فأبيا، وقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب)؟ فأبيا، فقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب)؟ فأبيا! ففرق بينهما!

–       ويقول التاريخ إنه بعد انتصار عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جاء إليه رجل يحمل كيسًا ضخمًا مليئًا برسائل وجهها بعض ضباط جيشه إلى ابن الزبير، قائلا له: خذ يا أمير المؤمنين، هنا تعرف من خانك، اقرأ أسماءهم!

 كان الوقت شتاء، وكانت أمام عبد الملك نار عظيمة تشتعل للتدفئة، فقال للحارس: احمل هذا الكيس وألقه في النار، لا يوجد في جيش عبد الملك خائن واحد!

–       ولسان الفقه يقول:

ولستَ بمستبْقٍ أخًا لك لا تلمُّـه على شعثٍ، أيُّ الرجال المهذبُ

  • والسلفية سعة صدر واحتمالٌ للخلاف:

–       ألم يبلغك مشاورة محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه؟

–       ألم يبلغك اختلاف عمر وابن مسعود في كذا وكذا مسألة؟

–       ألم تر إلى المسألة الواحدة في المذهب الحنفي يخالف فيها التلاميذ أستاذهم في حياته، فيقول أبو حنيفة برأي، ليخالفه تلميذه أبو يوسف، ويخالفه محمد ابن الحسن، ويخالفه زفر بن الهذيل، ويخالفه ابنه حماد؟

 فلماذا هذه الحال المتردية؟

 لماذا النظرات الأحادية، والإصرار على نظرية: رأيي صواب لا يحتمل إلا الصواب، ورأي غيري خطأ لا يحتمل إلا الخطأ؟

  • والسلفية تجديد دائم، وتطوير لا يهدأ:

–       ألم تسمع بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتاريخ الإنساني؟

–       ألم تقرأ ما كتب مايكل هارت عن العظماء المائة الذين غيروا التاريخ، وأولهم أبو القاسم صلى الله عليه وسلم؟

–       ألم تر إلى الفاروق وأولياته التي لم يُسبق إليها؟ واجتهاداته المستنيرة المنيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه؟

–       ألم تر إلى العلوم والمعارف التي استحدثها السلف في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب خلال عقود قليلة؟

–       ألم تر إلى الأئمة المهديين، الذين استحدثوا مناهج وبرامج في العلم الفهم والسلوك، والتزكية والاعتقاد؟

–       ألم يبلغك ما فعل ابن تيمية بزمانه وأهل زمانه؟

–       ومَن قسّم مثل تقسيماته في العقيدة، وشقّق في التربية والفقه والتفسير والدعوة وسائر علوم الشريعة!

 فلم لا نعيش هموم زماننا، ونوازله، وقضاياه ومشكلاته، بما يفهم الناس، وينفع ويبقى!؟

 ما لنا أبعد الناس عن آليات العصر، ولسانه، ووسائله، وتقنياته؛ باسم السلفية والالتزام؟!

 لم نظلم السلفية باسم السلفية؟

 ولم نحجم الإسلام باسم الاتّباع؟

  • والسلفية عفة في القلب واليد والسلوك:

–       ألم تر إلى سلفك وهم يُضربون على القضاء، ويتنزهون عن مجالس الخلفاء، ويطلبون صحبة الفقراء والبسطاء، ويستخْـفون بالطاعات والقربات؟

–       ألم تر إليهم والدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، والله تعالى في قلوبهم لا على شفاههم؟

–       ألم تطرب معي للقاضي الجرجاني وهو يهتف في شموخ باهر:

ولو أن أهـل العلم صانوه صانهم     ولو عظموه في النفوس لعـظما

 وما كل بـرق لاح لي يستـفزني      ولكن نـفس الحر تستعذب الظما

أأشقى به غرسًا وأجنـيه ذلة!؟ إذن فاتباع الجهل قد كان أحزمـا

  • والسلفية: كفٌّ عن الدماء والأعراض والأموال، وسؤال دائم للعافية:

–       فهي تعي جيدًا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المرء المسلم في فسحة من دينه؛

–       ما لم يصب دمًا حرامًـا) خ/6862! وقوله بأبي هو وأمي: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم….) خ:1739 فهي أساس في كف اليد واللسان عن المسلمين.

–       وتوقن أن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس!

–       وتعلم أن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله..

–       ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف؛ فلا قتل، ولا سفك دم، ولا استحلال لمال ولا عرض، ولا حتى بغيبة أو نميمة (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا)!؟

–       ولا ترويع لمسلم آمن ٍوادع (لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا؛ إن روعة المسلم شيء عظيم)!

–       السلفية مسالمة لا تعرف الضرب ولا الغدر ولا الهجوم ولا المباغتة!

–       لا تعرف حمل السلاح –إلا على أعداء الأمة، المهدِّدين لأمنها ودينها– ولا تعرف للدم شهوة، ولا للسفك سعارًا؟

 وأقسم بالله -راجيًا ألا أحنث– أن من يتسمون باسم الجماعة السلفية للدعوة والجهاد، في الجزائر، ومن شابههم كالدواعش وبوكو حرام، وينسب إليها ذبح الناس من الأعناق كالخراف أو الدجاج– إن صح وجودها– أنهم ليسوا سلفيين، ولا مجاهدين، بل لصوصًا وقطاع طرق؛ مع يقيني أن أخبارهم ملفقة، وأحاديث خرافة، وأنهم أسطورة إعلامية وأكذوبة سياسية، ومخابراتية، حيكت للكيد للإسلام وأهله، ولصب المزيد من القمع والإرهاب واستباحة الشعوب!

 وأقسم بالله -راجيًا ألا أحنث – أن من يتسمون باسم الجماعة السلفية الذين فوضوا القتلة، ووافقوا وحارقي المسلمين، ووضعوا أيديهم في أيدي الذين أباحوا اجتياح إخوانهم أرواحًا وأموالاً وأعراضًا، ليسوا سلفيين، ولا دعاة، بل بلهاء مغفلين، أو عملاء خائنين!

  • والسلفية تلقّ مستبصر، وتدين واعٍ:

 تعرف معنى قوله تبارك وتعالى: (هاتوا برهانكم)/ ومعنى قوله تعالى: ( إني على بينة من ربي)/ وقوله تعالى: (على بصيرة أنا ومن اتبعني)/ وقوله تعالى: (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًّـا وعميانًـا) وقول الإمام الأعظم أبي حنيفة (حرام على من لم يعرف

 دليلي أن يفتي بكلامي) وقول سيدي ابن المبارك: (بيننا وبينكم القوائم).

–       فليس فيها ظاهرية بحتة في الفهم!

–       ولا أخذ بدليل واحد، وترك لبقية النصوص!

–       ولا انبهار برأي شيخ واحد، أو مدرسة واحدة!

–       ولا تسليم مطلق لأحد غير سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه!

–       بل هي تحقيق وتمحيص، وتأكد ووعي!

  • والسلفية بلاغ جلي أبلق، واضح بين:

 يفهم جيدًا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرءًا سمع مقالتي، فأداها كما سمعها)!

 كما سمعها: فهي حرص على التوصيل، وحذق في البلاغ، واستقامة في اللسان، وقدرة على البيان، ومعرفة بالدليل، ووعي بالحال؛ وليست نمطًا واحدًا جامدًا، يخاطب فيه الإسلاميون بعضهم بعضًا –كالحال التعس– بل يهتمون ببلاغ غيرهم، والوصول إلى قلوبهم، وتصحيح وجهات نظرهم، بطرائق الدعوة ووسائل الجديدة.

  • والسلفية فَطِنة، تعرف متى تعزم ومتى ترخِّص!

     وهي تقدر الأمور بقدرها: ألم تسمع عن تعدد إجابات وتوجيهات الحبيب صلى الله عليه وسلم بتعدد السائلين وأحوالهم؟

     ألم تبلغك فتوى ابن العباس رضي الله تعالى عنهما عن توبة القاتل؟

     ألم تعلم بتغير كثير من فتاوى سيدنا الشافعي رحمه الله تعالى لما جاء إلى مصر؟

     ألم تسمع بالقواعد المرنة في الأصول عن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال، وعن الرخصة والعزيمة، والضرائر الشرعية، واعتماد الإباحة أصلًا للأشياء، وتراوح النصوص بين الظنية والقطعية، والتركيز على قاعدة التيسير لا التعسير، والأحكام الشرعية الخمسة، وأن الاختلاف رحمة، وغير ذلك من الفقه اليسير العظيم!؟

 سبحان الله العظيم! أليست هذه كلها قواعد سلفية؟!

  • والسلفية تربية وتزكية:

 فليست منهجا جافًّـا للتلقي، وعقلنة بحتة للأمور، بل تهتم كذلك بالروح، وترفِد القلب

 بما يقوّمه، وتوازن في الآدمي بين التسليم والفهم، بين العقل والقلب، بين رقة الزاهد وحيادية العالم، فإذا رأيت أحدًا -مثلي- قاسي القلب، لا تبض عينه بدمعة من خشية الله تعالى، فاعلم أن عليه مراجعة نفسه ! تدري لماذا؟

o      لأنه لم يسمع عن قيامه صلى الله عليه وسلم حتى تتفطر قدماه!

o      ولا عن شراكي النعل على خدَّي محدَّث الأمة الفاروق رضي الله عنه من البكاء!

o      ولا عن رهبان الليل، وفرسان النهار!

o      ولا الذين كانوا يقومون الليل كله بآية واحدة!

o      ولا على الذين كانت تسيل ألسنتهم ذكرًا، وعقولهم فكرًا، وأفعالهم خشية!

 فمن ادعى السلفية ولم يتشبه بهؤلاء فهو – وسامحوني – كذاب أشر!

  • وهي نشدانٌ لا يتوقف للحق..

 بغضّ النظر عمن يصل إليه أولًا؛ ذلك لأن (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن) وطالب الحق كناشد ضالة، لا يبالي على يده أو يد غيره رجعت، فليست الدعوة مجرد شهوة عقل، ولا حظ نفس، بل هي حق وبلاغ، وأداء واجب، واحتساب، واستخفاء بالطاعة.

 والحق ليس دائمًا مع المنتسب للتيار السلفي –كما يؤمن كثيرون- ليكون غيره (كخة)، فسلفُنا رضي الله عنهم هم الذين قالوا: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب!

 وهم الذين قالوا: كل أحد يؤخذ منه ويترك……..

  • وهي سلوك وممارسة:

 فإذا وجدت مخلافًا للوعد، أو كذاب اللسان، أو خائن العين، أو جافي المنهج، أو عدواني الطريقة، أو جهم الأسارير، فلا تلتفت إليه؛ ولا تعطه صفة المتبع، وإن حلف منعقدةً أنه سلفي وابن سلفي!

     أو ليس محمد صلى الله عليه وسلم هو القائل: خياركم أحاسنكم أخلاقًا/ و:لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف/ و/آية المنافق ثلاث؟

     أو ليس هو صلى الله عليه وسلم القرآن يمشي على الأرض، والرحمة والعذر والكرم؟

     أو ليس هو الذي نبهنا إلى أن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفسافها؟

–       فإذا وجدت رجلًا سيئ السيرة مع أهله، ضرابًا لامرأته، سبابًا لأولاده، عتلًّا مع والديه، فاعلم أنه ليس سلفيًّا!

–       وإذا وجدت رجلًا مفرطًا في عمله، مسيئًا في أدائه، أو غاشًّا، أو مراوغًا، أو كذوبًا فاعلم أنه ليس سلفيًّا!

–       وإذا وجدت رجلًا يأخذ من الدين ما يشتهي، ويخضعه لهواه، ومصالحه، ويدور مع الريح حيث تدور، فاعلم أنه ليس سلفيًّا!

–       وإذا وجدت رجلًا وقافًا على أبواب السلاطين، حوامًا حول الموسرين، فاعلم أنه ليس سلفيًّا!

  • وهي تعظيم للصحابة والعلماء، وكفٌّ عما شجر بينهم، وإكرام لدورهم وجهادهم، وتعظيم لكلام القرآن فيهم، فهم في جملتهم كرام (رضي الله عنهم، ورضوا عنه) فلا عبرة بمن يستحل الخوض فيهم، ولا من يقتات من ذمهم، من مرتزقة الكتّاب، ونخالة المتدينين الجانحين، الذين أطلقوا ألسنتهم في العلماء والدعاة بالثلب والسب، والانتقاص والتبديع، والوقوع في الأعراض بكثير من الفجاجة وقلة الورع، حتى إنهم ليصفون أحدهم بالكلب، أو المرتد، أو الحمار! ما لكم!؟ كيف تحكمون!؟ وقاتلكم الله؛ أني تؤفكون!
Please follow and like us:
د. عبد السلام البسيوني
باحث وداعية
قناة جريدة الأمة على يوتيوب