عندما أقسم الله في سورة العصر على خسران صنف الإنسان.. استثنى أهل الصبر والإيمان.. الممتثلين للعمل بشُعب الإيمان.. والمنتهين عن شُعب العصيان، وذلك في قوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)}
- وإذا كان القرآن قد وصانا بالتواصي بالحق والصبر، فإن شعب الإيمان هي (عمل الصالحات) المقصودة، والمقرونة في الذكر في نحو مئة موضع من القرآن، وأولها قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ} [البقرة/٢٥].
- وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدد شعب الإيمان في قوله: (الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ) [مسلم/٣٥]
ولكنه- عليه الصلاة والسلام – لم يحدد تلك الشعب، ولم يعدد أنواعها، بل ترك للمجتهدين رصد ما جاء بخصوصها من خلال هدايات الوحي و نصوصها في الكتاب والسنة، وهو ما قام به كثير من أهل العلم، حتى ألف بعضهم كتبا تجمع شعب الإيمان مع شرحها، كالإمام الحليمي المتوفى سنة ٤٠٣ هجرية في كتابه ( المنهاج في شعب الإيمان) والإمام البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ في كتاب (الجامع لشعب الإيمان) .
وشعب الإيمان بوصفها التام تمثل (الشريعة) بمعناها العام، حيث أمر الله الأمة كلها باتباعها فقال: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية/١٨]
فلنمتثل لها و(نحيا الشريعة) على أساسها، فإقامة الشريعة لم يخاطب بها الحكام فحسب؛ بل أمر الأمة كلها بامتثالها، كلا بحسبه، وبما هو داخل في استطاعته.
- واستعراض شعب الإيمان لعمل الصالحات والتواصي بها؛ يفيدنا في اغتنام أفضل أيام العام التي قال عنها الرسول – عليه الصلاة والسلام – (ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ) [البخاري/٩٦٩].
- وأستعرض الآن ما رصده أهل العلم من شعب الإيمان لنعرض أعمالنا وأقوالنا وأحوالنا عليها، ونستعرض في الوقت ذاته ما يقابلها ويضادها من شعب النفاق والعصيان؛ كي نكف عنها ونتوب منها ونبنى حبنا أو بغضنا للخلق وفق مواقفهم منها، ليكون ذلك أدعى لكمال إيماننا ورضا ربنا، كما قال نبينا، صلى الله عليه وسلم : ( مَن أحبَّ للَّهِ وأبغضَ للَّهِ ، وأعطى للَّهِ ومنعَ للَّهِ فقدِ استَكْملَ الإيمانَ) أخرجه أبو داود (4681) وصححه الألباني.
◇ وقد قسم العلماء شعب الإيمان إلى أعمال قلبية، وأعمال قولية، وأعمال بدنية..
◆ فأعمال القلوب الجامعة للمعتقدات والنيات، تشتمل على أربع وعشرين شُعبة، فلنجددها في قلوبنا.. حتى يرى الله آثارها في أعمالنا:
1- الإيمان بالله، بذاته وصفاته وتوحيده وبأنه ليس كمثله شيء
2- اعتقاد حدوث وخلق ما دون الله
3 – الإيمان بملائكته
4- الإيمان بكتبه
5- الإيمان برسله
6 – الإيمان بالقدر خيره وشره
7 – الإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بحساب القبر والبعث والنشور والميزان والصراط والجنة والنار
8 – محبة الله والحب والبغض لأجله
9- محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته
10 – الإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق
11- التوبة
12- الخوف
13- الرجاء
14- الشكر
15- الوفاء
16 – الصبر
17- الرضا بالقضاء
18- التوكل
19- الرحمة
20- التواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير
21- ترك الكِبر والعُجب
22- ترك الحَسد
23- ترك الحِقد
24- ترك الغضب.
◆ وأعمال اللسان من شعب الإيمان؛ تشتمل على سبع شُعب.. فلنرطب ألسنتنا بها.. ونعمر أوقاتنا بتكرارها:
1- التشهد بالشهادتين
2- تلاوة القرآن
3- تعلم العلم
4 – تعليمه
5 – الدعاء
6- الذكر، ويدخل فيه الاستغفار
7- الإعراض اللغو لصيانة شعب الإيمان المذكورة المتعلقة باللسان.
◆ وأعمال البدن، وتشتمل على ثمان وثلاثين شعبة، فلتكن آثارها شاهدة لنا يوم بعثنا:
وهذه الشعب..
منها ما يتعلق بالنفس، وهي خمس عشرة شعبة:
1- التطهر حساً وحكماً، ويدخل فيه اجتناب النجاسات – 2 – الحياء و ستر العورات – 3- الصلاة فرضاً ونفلاً
4 -الزكاة
5 – فكُّ الرقاب
6 – الجود، ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف
7 – الصيام فرضاً ونفلاً
8 – الحج والعمرة
9 – الطواف
10 – الاعتكاف
11 – التماس ليلة القدر
12 – الفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك
13 – الوفاء بالنذر
14 – التحري في الحلِف والأْيْمان
15 – أداء الكفارات.
ومنها ما يتعلق بحقوق خاصة، وهي ست شُعب:
1 – حقوق الزوجية
2 – القيام بحقوق الأبناء وتربية الأولاد
3 – بر الوالدين وفيه اجتناب العقوق
4 – صلة الرحم
5 – الطاعة لأهل الحق في الطاعة
6 – الرفق بالخَدَم.
ومنها ما يتعلق بحقوقٍ عامة، وهي سبع عشرة شعبة
1- القيام بالإمارة مع العدل لمن كان من أهلها
2 – لزوم جماعة المسلمين العامة
3 – طاعة ولي الأمر المسلم
4 – الإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبُغاة
5 – التعاون على البر والتقوى، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
6 – إقامة الحدود لمن وكل بها
7- الجهاد والمرابطة
8 – أداء الأمانة
9 – قضاء الدَّين
10 – إكرام الجار
11 – حُسن التعامل في المال، ومنه جمع المال من حله وإنفاقه في حقه
12 – ترك التبذير والإسراف
13 – رد السلام
14 – تشميت العاطس
15 – كف الأذى عن الناس
16 – اجتناب اللهو المحرم
17 – إماطة الأذى عن الطريق.
فهذه تسع وستون شعبة، باعتبار أن البضْع من الثلاثة إلى التسعة، ويمكن عدها تسعاً وسبعين، باعتبار إفراد ما ضُمَّ بعضه إلى بعضٍ مما ذُكِر.. فلنحيي قلوبنا بها، ولنحيا الشريعة من خلالها، ولنختار منها في هذه الأيام ونستكثر.. ونعظم الله بها ونكبر
فالله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرا
والحمد لله بكرة وأصيلا.