د. عبد العزيز كامل يكتب: صمت الشعوب الصادم (1)
قبل عقود قليلة خلت، وبخاصة قبل بدء الألفية الثالثة؛ كانت عادة الأمة أن تتحرق وجدانيا ثم تتحرك واقعيا وعمليا كلما وقعت أحداث كبرى تخص المسلمين، سواء أكان ذلك في اعتداء الأعداء على الأرواح أو الأعراض أو الرموز المقدسة..
فمن ذا الذي لا يذكر، أو لم يقرأ عن اهتزاز العالم الإسلامي بأركانه حين اعتدى (شخص) نصراني استرالي – قيل وقتها إنه معتوه – على المسجد الأقصى بشب حريق فيه عام 1969؟
ومن ينسى انتفاض الأمة مع انتفاضة أطفال الحجارة في فلسطين عام 1987، والتي لم تطفأ إلا باتفاق الخيانة في (أوسلو) عام 1991.
ومن لا يذكر انتفاض الأمة أيضا مع انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 عندما تجرأ رئيس وزراء كيان العدوان (شارون) مع نفر من وزرائه على اقتحام ساحات المسجد الأقصى، حيث لم تتوقف تلك الانتفاضة ولا التفاعل الإسلامي معها إلا بعد الاتفاق بين أهل الكفر وأهل النفاق في شرم الشيخ عام 2005!
وهل ننسى كيف اهتز الضمير الجمعي للأمة مع طفل فلسطيني واحد قتل غدرا، وهو (محمد الدرة) على يد طغاة اليهود؟ حيث طبع مشهد مقتله الحسرات والأحزان على قلب كل من له قلب من مئات الملايين في عالم المسلمين.
وكذلك لا ننسى كيف التفت جماهير الأمة قبل ذلك -دون التفات- مدة عشر سنوات، وبكافة شرائحها مع الجهاد الأفغاني الأول ضد عدوان الروس، بدءا من أوائل السبعينات وحتى أواخر الثمانينات، وكذا تعاطف جماهيرها وتفاعلها بعد ذلك مع أحداث البوسنة والشيشان والعراق والصومال وغيرها من البلدان..
ولا تزال الذاكرة ملأى بمشاهد المظاهرات المليونية إثر انطلاق الثورات العربية في بلدان كبيرة وكثيرة، والتي كانت بدايتها شرارة تطايرت من مظلمة ما؛ في منطقة ما؛ تسببت في إحراق الشاب التونسي (بو عزيزي) نفسه احتجاجا على ما رآه ظلما فادحا من السلطات؛ فكان أن اندلعت ثورة عارمة للمظلومين في تونس، تداعى لها المظلومون في مصر وسوريا واليمن.. وألهبت بعد ذلك الروح الثورية في بقية الشعوب العربية والإسلامية..
لكن.. ما الذي حدث بعد ذلك من تغيير خطير لدى فاعلية الجماهير.. حتى نرى هذه الظاهرة المحيرة من برود ردود الأفعال تجاه أحداث جسام أكبر وأخطر، وآخرها هذه الحرب الدولية التي يخوضها وراء شرار الخلق غالب عالم الغرب؛ ضد كرامة العرب والمسلمين المتجسدة اليوم في غرة الجبين وتاج رؤوس المجاهدين (غزة الأبية)؛ التي صارت آخر عرق ينبض، وأشجع كيان يحاول أن ينهض؟!
سأحاول رصد ما أراه وراء هذه الظاهرة المحيرة من الأسباب، ولعل رأيا سديدا منكم يفتح الأبواب..
(يتبع.. إن شاء الله)