مقالات

د. عبد العزيز كامل يكتب: فرصة ذهبية.. هل نغتنمها؟

تعظيم شعائر الله بإقامة شرائعه؛ يحتاج منا إلى برهان؛ يُدلل على ما وَقَرَ في القلوب من الإيمان، فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج:32]..ومن شعائر الله الواجب احترامها والوقوف عندها؛ تعظيم الأشهر الحُرُم، ومن تعظيمها الابتعاد عن المظالم كلها، سواءً ما كان منها متعلقا بالنفس مع حرمات الله وحدوده، التي من تعداها فقد ظلم نفسه، أو ما يتعلق بحقوق العباد، التي يجلب من يتخطاها على نفسه الخطايا ويستنزل البلايا..

الإنسان منا قد يُبتلى بنوع من الظلم، فيرد بظلم أشنع وأبشع؛ وهذا يُنشئ حالة من تبادل المظالم التي تنتهك بها المحارم، غيبة ونميمة وظلما وتظالما.. ولهذا قال الله تعالى «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرمًا، فلا تَظَالموا» [رواه مسلم/ 2577] ومن أعظم المظالم ما يقع بين كثير من عوام المسلمين من إطلاق الألسن في الأعراض والنوايا، بعد التنقيب عن الأسرار والسرائر والطوايا، بدعوى رد الاعتبار أو النصيحة، أو قول الحق ولو كان مُرًا..!..

والأَمَرُّ الأقبح من فعل العوام؛ ما يكون بين بعض الدعاة، الذين يتورع بعضهم أو يتبرع بكف لسانه عن أكابر المجرمين؛ في حين يطلقه في أعراض من يخالفه من إخوانه المسلمين.. فيستحل أذاهم ويستبيح حرماتهم التي هي أعظم حرمة من الكعبة..

ولا شك أن عاقبة ذلك من أكبر موارد البوار الموصل للنار؛ فقد قال النبي لمعاذ -رضي الله عنه- وهو مَنْ هو؛ ورعًا وحرصًا وتُقىً: «كُفَّ عليك هذا؛ وأشار إلى لسانه». قال: يا نبيَّ الله! وإِنَّا لَمُؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكِلتك أمُّك.. وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم » [أخرجه الترمذي /2616 وصححه الألباني في (صحيح الترغيب / 2866].

دعانا الله تعالى في الأشهر الحُرُم أن نكُفَّ عن ظلم أنفسنا، ونصون قلوبنا وألسنتنا وأيدينا عن الخوض في أذى بعضنا، إذ المؤمنون كنفسٍ واحدة، ومن ظلم أخاه فيها فقد ظلم نفسه، كما قال سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [[فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ]]} التوبة/36

فالأشهر الحُرُم أوجب الله تعظيمها وحفظ حُرمتها، بحفظ حدوده وحقوق عباده، ولا يكون ذلك – بعد التقوى والتوبة – إلا بإفراغ الضمائر من الضغائن، وكف الألسن عن الأذى، وتصفية القلوب من الأحقاد..

فرصة ذهبية كبيرة للإحسان للنفس والناس، فمن بذر فيها في (رجب) نبت غرسه في (شعبان) وجنى زرعه في (رمضان).. في ظرف زمني قصير، يمكن استغلاله واستثماره، لا تواضعا أوتبرعا منا؛ بل تكليفا شرعيا علينا.. (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ويضاعف ضرورة التكليف بترك الظلم والتظالم؛ ما يعانيه أهل الإسلام من المظالم التي تدعونا جميعًا.. أن نعتصم بحبل الله (جميييييعًا) ولا نتفرق.. وأن نتقي الله في بعضنا البعض، ويكُف بعضنا عن أذى البعض، صالحين في ذلك مصلحين.. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [1.الحجرات]

 هدانا الله للتراحم بيننا، حتى يرحم ضعفنا، ويشد أزرنا، ولا يُسلِّط علينا من لا يخافه فينا ولا يرحمنا..

———————————-

ملاحظة / هذا مقال قديم..

 عادت أيامه ولياليه.. وتجددت دواعيه..

د. عبد العزيز كامل

‏دكتوراة في أصول الدين‏ في ‏جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى