د. عبد العزيز كامل يكتب: مصير الأخيار.. في مسار الأخبار (١)

ابحث عن يأجوج والمسيح.!!
لم أعد أهتم كثيرا بملاحقة أخبار الأحداث المتسارعة، لأنها صارت أكثر وأسرع من قدرات الكثيرين على ملاحقتها بالتفاصيل فضلا عن المتابعات والتحاليل، لذلك فإني صرت أكتفي بتتبع المسارات الكبرى للأحداث ومآلاتها المتعلقة بمستقبل المسلمين، معتبرّا انشغال مثلي بتتبع الأخبار الوقتية ضربا من تضييع المرحلة العمرية المتبقية، التي لم تعد تكفي -والعلم عند الله- لاستكمال أعمال كثيرة علمية لم أُنهها.. وأخرى عملية شرعية ضرورية أٌشرف على إنهائها..
وهذا الاكتفاء بمتابعة الخطوط العريضة في القضايا العامة والهامة.. يشمل الأحداث الدولية والإقليمية والمحلية، وقد أثارت زيارة (ترامب) مؤخرا للجزيرة العربية عدة خواطر تحت العنوان أعلاه.. وسوف أعرض لما تيسر منها إن شاء الله.
ولو أخذنا تطورات الأحداث العالمية نموذجا؛ فإني أرى أن هاجس اهتمام أمريكا واغتمامها بشأن تغول نفوذ المغول الجدد (الصينيين) وحلفائهم في النصف الشرقي من الكرة الأرضية؛ يمثل مسارا يفسر تطورات كثيرة، فساسة الغرب ومفكروه صاروا يرتعبون ويرتعدون من امتداد تحرك تنين الصين الشيوعية لنصف الأرض الآخر التابع للحضارة الغربية، واصبح ذلك في نظر أمريكا الترامبية يمثل تجسيدا عمليا متصاعدا نحو تكوين (محور شر جديد) وربما أخير، حيث بدأت الصين في السنوات الأخيرة تقطع أشواطا جبارة نحو إنزال أمريكا من موقع قيادتها المتفردة للعالم..
فمن إذن -بنظر التدبيريين- سيقاتل مع المسيح عند قدومه الذي يعد له الصهاينة التوراتيون والإنجيليون منذ أكثر من مئتي عام؟
الطبقة الحاكمة في الإدارة الأمريكية الصهيونية مهووسة بالأساطير التوراتية، التي تؤمن بها الطوائف الإنجيلية المتنفذة سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وهؤلاء الإنجيليون الذين يبلغون نحو ٣٥% من الشعب الأمريكي، ويفوق عددهم ١٢٠ مليونا من ذاك الشعب؛ يعتقدون جزما بأن قوى الشر في الشرق -بزعامة الصين- سيمثلون قريبا قوم (يأجوج ومأجوج) الوارد ذكرهم في التوراة والإنجيل، باعتبارهم قوى الظلام التي سيحاربها مسيحهم الموهوم، الموشك على القدوم!
وهذه القوى الشريرة المجموعة عند الكتابيين تحت مسمى (ياجوج وماجوج) تذكر بأسمائها في سفر حزقيال من التوراة أو (العهد القديم)، وكذلك في سفر الرؤيا بالإنجيل، أو (العهد الجديد).
وبحسب نصوص أسفار التوراة وشروحها المعاصرة؛ فإن القوى التي ستكون ضمن تحالف الشر الذي سيقاتله المسيح، دفاعا -كما يزعمون- عن إسرائيل.. ستشمل الشعوب التالية:
(السكيثيون) وهم شعوب وسط آسيا إلى جنوب روسيا وأوكرانيا.
(توبال) وهم شعوب مناطق في آسيا الصغرى (تركيا الحالية) والقوقاز، ومنهم التيبول في الأناضول.
(توجرمة) وهم الترك الأوربيون
(روش) = روسيا
(ماسك) = موسكو
(فارس) = إيران
(الأومور) = الشعوب الكنعانية التي سكنت أرض كنعان في فلسطين وسوريا، وبعض أجزاء بلاد الرافدين.
(فوط) = منطقة غرب مصر.
(لولبيا) = ليبيا وشمال إفريقيا
(كوش) = جنوب مصر مع السودان وبلاد الحبشة..
تأمل هذه البلاد وشعوبها، وراجع بذاكرتك سياسات الغرب المتعلقة بها، وتذكر أن تلك الشعوب المذكورة تمثل الأجناس المحصورة في كتاب (صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي) لمؤلفه (صمويل هنتجتون) حيث سينتهي هذا الصراع، كما يرى مؤلف الكتاب بانتصار الحضارة الغربية (المسيحية) على الحضارات الأخرى، وبخاصة الصينية والإسلامية، وهو ما أكده (فرانسيس فوكوياما) في كتابه (نهاية التاريخ)!
ولعلنا نفهم من خلال تلك السردية، لماذا تصر الصهيونيتان -التوراتية والإنجيلية- على تحويل العقائد الخرافية المرتبطة بها إلى وقائع حقيقة، تطبيقا لفكر الاتجاهات (التدبيرية الإنجيلية) التي ترى أن من واجبها أن «تدبر» لتحقيق وتعجيل خطة الإله لأجل التمهيد للقدوم القادم لذاك المسيح.
هم يعتقدون، ومن ثم يتصورون أنهم سيدبرون لجلوس مسيحهم على كرسي الملك في (أورشاليم/ القدس) محاربا أعداءه هذه المرة لا محاربا منهم، خاصة وأن شرطين أساسيين من شروط قدومه الثلاثة – في اعتقاد نصارى البروتستانت- قد تحققت، وهما (أن تكون لشعب إسرائيل دولة) وهو ما تحقق عام ١٩٤٨، والثاني (ان تكون القدس عاصمتها) وهو ما تحقق عام ١٩٦٧، وبقي الشرط الثالث، وهو أن يعاد بناء قبلة اليهود ( الهيكل الثالث) لا قدر الله، على انقاض المسجد الأقصى، وهو ما يحاول (النتنان/ في تل ابيب وواشنطن) أن يصلا إليه تحت ستار الدخان المتصاعد من نيران طوفان الأقصى..
ولكن.. ما علاقة كل هذا بسياسات (ترامبياهو).. سواء في رئاسته السابقة أو اللاحقة؟
هذا ما أحاول الاجتهاد في بيانه في بقية للمقال بإذن الله..